رؤية المفكر الشيخ صالح الحُصيّن حول (حروب الحضارة الحديثة ومخاطرها)
الاثنين - 01 مايو 2023
Mon - 01 May 2023
للشيخ المفكر الحُصين - رحمه الله - (1351-1434هـ) اهتمامات كثيرة في الشأن العام العالمي كأي مفكر. فله قراءات ورؤى ثاقبة حول الغرب والغرب المتعصب، وكذلك عن الحضارة المعاصرة، وله عن قضايا الصراع العالمي والعلاقات الدولية القائمة على القوة وعلى المصالح الوطنية الخاصة للدول الكبرى، مما يتعارض مع المصالح العامة للدول، وهو ما يُعرِّض السلم والسلام للخطر. ومن ذلك اهتماماته في الكتابة عن التسلح والحروب العالمية ومخاطرها الإنسانية، حتى إن هذا الاهتمام العلمي بقضايا الفكر والسياسة العالمية يكاد يوازي الاهتمام من قِبله بالشأن المحلي لمجتمعه أو دولته أو يزيد، وهذا واضح وبارز في كثير من كُتبه، كما في كتابه (التسامح والعدوانية بين الإسلام والغرب)، وكتابه الآخر (العلاقات الدولية بين منهج الإسلام ومنهج الحضارة المعاصرة)، ثم في كتابه الثالث (الأقليات المسلمة في مواجهة فوبيا الإسلام)، إضافة إلى كثير من مقالاته العلمية والفكرية، وكل هذا مما يكشف عن اهتمامه الثقافي والفكري المتجاوز للحدود، لا سيما المؤثِّر على الساحات العالمية، ومخاطر العدوانية الغربية وحروبها، فالتسلح النووي والعسكري الغربي الحديث غير مبرر أخلاقيا، وهو بحد ذاته يهدد التسامح والعدالة الدولية، إضافة إلى أن هذا الطرح يكشف عن شخصية الحصين الفكرية.
وهو بهذا الطرح المدعوم بالأدلة والوثائق عن التسلح - على سبيل المثال - يعزز قناعات القارئ بالحقائق الموثقة علميا حول مدى التحضر والحضارة المعاصرة!، وذلك للتدليل على ما يريد إيصاله للقارئ حول حقيقة الحروب الحديثة وما فيها من القوة المفرطة والوحشية وقتل غير المحاربين. ومن ذلك قوله في كتاب التسامح والعدوانية: «قبلَ عُقود شيَّعَت الولاياتُ المتحدة (عشرين قبراً) من الخرسانة المسلحة تحتوي على فائضٍ من الغازات السامّة، لكي تُودَع أعماقَ المحيط، بعد أن اكتَشف الجيش الأمريكيّ أنّ هذه الكَمِّيات تزيدُ عن حاجته، ولكنّ الجيش استمرّ في تطويرِ الأسلحة الكيماوية والبيولوجية كمّاً ونوعا، وتملك الولاياتُ المتحدة حالياً (ثلاثين ألف) طنّ من الأسلحة الكيماوية, كما تملك أعظمَ مخزونٍ في العالم وأدقِّه تقنيةً من الأسلحة البيولوجية، مثل الجُدَري وحُمّى الجمرة الخبيثة. وفي نهاية 2004م بلغ إنفاقُها العسكريّ قَدْرَ ما تنفقُه دولُ العالم مجتمعة، كما يُظهِر ذلك تقريرُ المعهد الدَّوْليّ لأبحاث السلام الصادر في 7/6/2005». [التسامح والعدوانية بين الإسلام والغرب، ص216].
ويتابع الحصين تَعدَاد مخاطر الحروب الغربية الحديثة ومنافاتها للعدل والسلم الدولي، وتعارضها مع حقوق الإنسان وحقوق البيئة وحقوق الحياة، فهذه الحروب من أكبر وسائل نشر الكراهية في العالم، وتكريس عدم التسامح بين الدول، وصناعة ردود الفعل من الأفراد والجماعات المناوئة. كما يُعدِّد الحصين بلغة الأرقام نماذج وأمثلة من منتجات الحضارة الحديثة، وهي صورة من صور العنف والإرهاب تؤدي إلى تدمير الشعوب والأمم والدول، ومن ذلك قوله: «يخزِّن الجيشُ الأمريكي (8000) رأس نوويّ، يبلغُ معدَّلُ القوةِ التدميرية لكلِّ رأسٍ (عشرين ضِعْف) قنبلةِ هيروشيما، كلُّ هذه الرؤوس نشِطةٌ وجاهزةٌ للتشغيل وضعت (2000) منها على قائمةِ إنذارٍ دقيق دقّةَ الشعرة، جاهزةٌ للإطلاق خلالَ خمسَ عشرةَ دقيقة. ويزيدُ في خطورة الأمر الإمكاناتُ المتاحة والاحتمالاتُ القريبة لاستخدام هذه القوة المدمِّرة وقتلِ الأبرياء، لقد استُخدمت فعلاً في عام 1945م، وأظهَرتِ الوثائقُ المفرَجُ عنها أنها كانتْ على حافَةِ الاستعمال خلالَ الحرب الباردةِ في مناسبتين». [المرجع السابق: ص216-217].
ويُوضِّح الحصين أكثر عن مخاطر ودمار وفواجع حضارة الحروب الحديثة، وأن هذه التقنية العسكرية الفتَّاكة صُنعت؛ ليس لنشر الورود والسلام والعدل وليست لقتل المقاتل، بل لقتل البشرية! كما هي نقولاته عن أحد المعنيين أنفسهم، وذلك بقوله: «يصوِّر روبرت مكنمارا - وزير الدفاع الأمريكيّ السابق - إمكانيةَ استخدام هذه القوة بقوله: كيف ستُستخدم هذه الأسلحة؟ لم تُصادِق الولايات المتحدة قطُّ على سياسة عدم الاستخدام أوّلاً، ليس أثناءَ السنوات السبع التي قضيتُها بصفتي وزيراً للدفاع، ولا بعْدَ ذلك الوقت، لقد كُنّا وما زلنا مستعدِّين للبدء باستخدام الأسلحة النووية وبقرارٍ من شخصٍ واحد ضدَّ عدوٍّ نوويّ أو غيرِ نوويّ، في أيِّ وقت نعتقدُ فيه أنّ من مصلحتنا القيامَ بذلك... إنّ المزيجَ غيرَ التامّ للخطأ البشريّ والأسلحةِ النووية يَحمل خطراً جِدِّيًّا جِدًّا بفاجعة نووية» [المرجع السابق: ص217].
بل إن الحصين يتجاوز الحديث من العموم إلى الخصوص، ومن مخاطر الحروب الحديثة بصفة عامة، لينتقل إلى عدوانية الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً على بلدان العالم الإسلامي بصفة أخص - كما سيأتي - وهو يتعجب من هذا الواقع الغربي المنفلت، لا سيما حينما وضعوا من أنفسهم صُنَّاع السَّلام والتسامح والحضارة الحديثة، وأخذوا على عاتقهم حق وصاية العدالة الدولية والأمن العالمي!، ومعه حق الرفض (الفيتو) من خلال المنظمات الأممية!
من الغازي؟ ومن المغزو؟!
كَتَبَ الحصين في إحدى هوامش كتابه سابق الذكر عن من المُعتدي! ومن المُعتَدى عليه خلال القرنين الماضيين فقط!، بقوله: «لم تكن المغرب هي التي غزت إسبانيا، ولم تكن المغرب والجزائر وتونس والسنغال ومالي والنيجر وتشاد وسوريا ولبنان هي التي غزت فرنسا، ولم تكن الصومال وليبيا هما اللتان غزتا إيطاليا، ولم تكن مصر والسودان وفلسطين والعراق والإمارات الإسلامية في الهند هي التي غزت إنجلترا» [المرجع السابق: ص13].
ومن عدوانية الغرب المعاصرة وغزوها للآخرين وصناعة بؤر الصراع بالعالم الإسلامي ما ذكره من بعض النماذج والأمثلة بقوله: «خلال القرون الأخيرة لم يحدث أن غزت دولة مسلمة دولة غربية، وبالعكس يشهد تاريخ الاستعمار أن العالم القديم والعالم الجديد كانا دائماً هدف الغزو من قِبل الغرب. لمدة طويلة سابقة وحتى نهاية النصف الأول من القرن المنصرم [القرن العشرين] كان العالم الإسلامي – باستثناء أجزاء يسيرة – تحت سلطان الغرب نتيجة الغزو والحرب، وبعد انتهاء هذا السلطان الاستعماري المباشر، ظلت القيادات السياسية والعسكرية والثقافية والتربوية في العالم الإسلامي – عدا ما ندر منها – قيادات علمانية. أي أن الإسلام خلال تلك المدة لم يكن في الغالب مسؤولا عن الأعمال العسكرية داخل العالم الإسلامي، أو بين العالم الإسلامي وخارجه.
وفي القرن المنصرم أشعل الغرب حربين عالميتين في خلال خمسة وعشرين عاما. أما في هذا القرن فقد أشعل الغرب حربين عالميتين [أفغانستان والعراق] خلال عام ونصف» [المرجع السابق: ص13].
ويلفت الحصين نظر القارئ إلى دور الثقافات في تحريك (الطبيعة العدوانية) أو ترويضها، وعن ما هي الثقافات أو الأديان القادرة على الترويض والتسامح والتخلي عن الحرب والعدوان؟ وما هي العاجزة؟ لا سيما في عصور الحضارة الحديثة!، فيقول عن هذا: «ولا تشهد أحداث هذه الحروب على أن الثقافة الغربية كانت تنجح دائما في ترويض الطبيعة العدوانية في الإنسان الغربي وتَحْمِله على التسامح والتخلي عن العدوان. بل إنه حتى عندما تُعتبر الحرب سلوكاً بشرياً معتاداً، ومن ثم لا تُعتبر بالضرورة نتيجة للنزعة العدوانية في ثقافة معينة، فإن قيام المحارِب بالقتل والتدمير - حيث لا تقتضي ذلك ضرورة الحرب - يُبرزُ القول بوجود صلة بين النزعة العدوانية للمحارِب وثقافته» [المرجع السابق: ص13-14].
ويضرب أمثلة على هذه العدوانية غير المبرَّرةِ، لا سيما أنها حدثت بعد الانتصار! أو جاءت ضد أسرى!، بمعنى عدم وجود مبرر لهذه العدوانية، وذلك بقوله: «وفي حالة الحروب الغربية: ففي الحرب العالمية الثانية في القرن المنصرم مثلاً، لم تكن ضرورات الحرب بعد أن تَقَرَّر مصيرها تقتضي القصف الاستراتيجي على درسدن الألمانية، أو قتل (مائتي ألف) من غير المقاتِلين في هيروشيما اليابانية، أو قصف ناجازاكي التي لم تكن هدفا عسكريا بالقنبلة النووية. وفي حرب التحالف الدولي ضد أفغانستان مثلا لم تكن ضرورات الحرب تقتضي قصف الأسرى بالمروحيات في قلعة قانجي» [المرجع السابق: ص14].
ويصف الحصين بطريقة مختلفة في آخر حديثه عدوانية دول الاحتلال، وهذه الحروب المجنونة بحق، والتي تعد طبيعة نفسية وثقافة متأصلة لدى الغرب، تؤكدها أفلام الرعب الغربية ويصدقها الواقع، ويتساءل الحصين عن حقيقة من هو المتسامح؟ ومن هو العدواني؟ ليكون القارئ هو من يحكم بنفسه ويستنتج قائلا: «هل صحيح أن العدوانية صفة مميزة للثقافة الإسلامية؟، وأن التسامح صفة مميزة للثقافة الغربية؟» [المرجع السابق: ص18].
والحصين وهو ناقد لهذا السلوك العدواني الغربي يستغرب كثيرا حال بعض المثقفين من المسلمين حول مفاهيمهم الناقصة أو القاصرة تجاه هذه العدوانية الغربية!، وما يصحبها - لدى هؤلاء - من تجاهل قِيَم التسامح في الإسلام عبر معظم عصور تاريخ المسلمين في المعمورة، لا سيما أن هذه الآراء القاصرة تأتي في الوقت الذي يعتدي فيه التحالف الدولي عسكريا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ما بين عامي 2001-2021م، على أفغانستان والعراق -على سبيل المثال-، وقد سُفك فيهما الدماء لملايين من البشر من القتلى، وانتُهِك بها حقوق الملايين من بني الإنسان بصناعة الهجرة والمشردين، حتى كان تحويل الغرب - بحروبه المفتعلة - تلك الدولتين إلى خراب ودمار بإرهاب غير مسبوق!، وهو ما ينفي الصفة الحضارية عن الغرب.
والحقيقة أن هذا الحشد من الأدلة التي تم اختصارها في هذا (الموضوع): تؤكد أن هذه الحروب منزوعة القِيَم والإنسانية، والعدالة والأخلاق، وتصنع ردود الفعل والكراهية والعِداء بين الشعوب والأمم والدول، بل إن هذا الواقع يُسقط عن الغرب مزاعم التحضر والرُقي.
وأقول معلقا ومتسائلا: هل الحرب الأوروبية القائمة في أوكرانيا 2022م تُعد أنموذجا آخر لحروب الحضارة الحديثة؟ وهل هي مرشحة للأسوأ، خاصة مع فشل المنظومات الأممية؟! إضافة إلى أنها حرب عالمية بين دول الناتو وأنصارها من جهة، وبين روسيا وأنصارها من جهة أخرى على الأرض الأوكرانية!، وهي مع هذا كله حرب يتم فيها التصعيد الأمريكي للصراع بكل صوره!.
فهل هذا الاستنزاف والتصعيد مع روسيا سيكون مُؤهِّلا ومحركا لحرب نووية قريبة؟، وهل ما ذكره الحصين عن واقع التسلح الغربي وآثاره المدمرة ومخاطره هو ما سيجتاح العالم في القرن الحادي والعشرين أكثر مما مضى؟! وهل هذه الحروب الحديثة بهذه الآليات العسكرية التدميرية وجه آخر لحقيقة الحضارة الغربية وفلسفتها الأنانية القائمة على القوة والمصالح الخاصة، التي ربما تقود إلى تدمير الحضارة البشرية؟! (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين).
وهو بهذا الطرح المدعوم بالأدلة والوثائق عن التسلح - على سبيل المثال - يعزز قناعات القارئ بالحقائق الموثقة علميا حول مدى التحضر والحضارة المعاصرة!، وذلك للتدليل على ما يريد إيصاله للقارئ حول حقيقة الحروب الحديثة وما فيها من القوة المفرطة والوحشية وقتل غير المحاربين. ومن ذلك قوله في كتاب التسامح والعدوانية: «قبلَ عُقود شيَّعَت الولاياتُ المتحدة (عشرين قبراً) من الخرسانة المسلحة تحتوي على فائضٍ من الغازات السامّة، لكي تُودَع أعماقَ المحيط، بعد أن اكتَشف الجيش الأمريكيّ أنّ هذه الكَمِّيات تزيدُ عن حاجته، ولكنّ الجيش استمرّ في تطويرِ الأسلحة الكيماوية والبيولوجية كمّاً ونوعا، وتملك الولاياتُ المتحدة حالياً (ثلاثين ألف) طنّ من الأسلحة الكيماوية, كما تملك أعظمَ مخزونٍ في العالم وأدقِّه تقنيةً من الأسلحة البيولوجية، مثل الجُدَري وحُمّى الجمرة الخبيثة. وفي نهاية 2004م بلغ إنفاقُها العسكريّ قَدْرَ ما تنفقُه دولُ العالم مجتمعة، كما يُظهِر ذلك تقريرُ المعهد الدَّوْليّ لأبحاث السلام الصادر في 7/6/2005». [التسامح والعدوانية بين الإسلام والغرب، ص216].
ويتابع الحصين تَعدَاد مخاطر الحروب الغربية الحديثة ومنافاتها للعدل والسلم الدولي، وتعارضها مع حقوق الإنسان وحقوق البيئة وحقوق الحياة، فهذه الحروب من أكبر وسائل نشر الكراهية في العالم، وتكريس عدم التسامح بين الدول، وصناعة ردود الفعل من الأفراد والجماعات المناوئة. كما يُعدِّد الحصين بلغة الأرقام نماذج وأمثلة من منتجات الحضارة الحديثة، وهي صورة من صور العنف والإرهاب تؤدي إلى تدمير الشعوب والأمم والدول، ومن ذلك قوله: «يخزِّن الجيشُ الأمريكي (8000) رأس نوويّ، يبلغُ معدَّلُ القوةِ التدميرية لكلِّ رأسٍ (عشرين ضِعْف) قنبلةِ هيروشيما، كلُّ هذه الرؤوس نشِطةٌ وجاهزةٌ للتشغيل وضعت (2000) منها على قائمةِ إنذارٍ دقيق دقّةَ الشعرة، جاهزةٌ للإطلاق خلالَ خمسَ عشرةَ دقيقة. ويزيدُ في خطورة الأمر الإمكاناتُ المتاحة والاحتمالاتُ القريبة لاستخدام هذه القوة المدمِّرة وقتلِ الأبرياء، لقد استُخدمت فعلاً في عام 1945م، وأظهَرتِ الوثائقُ المفرَجُ عنها أنها كانتْ على حافَةِ الاستعمال خلالَ الحرب الباردةِ في مناسبتين». [المرجع السابق: ص216-217].
ويُوضِّح الحصين أكثر عن مخاطر ودمار وفواجع حضارة الحروب الحديثة، وأن هذه التقنية العسكرية الفتَّاكة صُنعت؛ ليس لنشر الورود والسلام والعدل وليست لقتل المقاتل، بل لقتل البشرية! كما هي نقولاته عن أحد المعنيين أنفسهم، وذلك بقوله: «يصوِّر روبرت مكنمارا - وزير الدفاع الأمريكيّ السابق - إمكانيةَ استخدام هذه القوة بقوله: كيف ستُستخدم هذه الأسلحة؟ لم تُصادِق الولايات المتحدة قطُّ على سياسة عدم الاستخدام أوّلاً، ليس أثناءَ السنوات السبع التي قضيتُها بصفتي وزيراً للدفاع، ولا بعْدَ ذلك الوقت، لقد كُنّا وما زلنا مستعدِّين للبدء باستخدام الأسلحة النووية وبقرارٍ من شخصٍ واحد ضدَّ عدوٍّ نوويّ أو غيرِ نوويّ، في أيِّ وقت نعتقدُ فيه أنّ من مصلحتنا القيامَ بذلك... إنّ المزيجَ غيرَ التامّ للخطأ البشريّ والأسلحةِ النووية يَحمل خطراً جِدِّيًّا جِدًّا بفاجعة نووية» [المرجع السابق: ص217].
بل إن الحصين يتجاوز الحديث من العموم إلى الخصوص، ومن مخاطر الحروب الحديثة بصفة عامة، لينتقل إلى عدوانية الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً على بلدان العالم الإسلامي بصفة أخص - كما سيأتي - وهو يتعجب من هذا الواقع الغربي المنفلت، لا سيما حينما وضعوا من أنفسهم صُنَّاع السَّلام والتسامح والحضارة الحديثة، وأخذوا على عاتقهم حق وصاية العدالة الدولية والأمن العالمي!، ومعه حق الرفض (الفيتو) من خلال المنظمات الأممية!
من الغازي؟ ومن المغزو؟!
كَتَبَ الحصين في إحدى هوامش كتابه سابق الذكر عن من المُعتدي! ومن المُعتَدى عليه خلال القرنين الماضيين فقط!، بقوله: «لم تكن المغرب هي التي غزت إسبانيا، ولم تكن المغرب والجزائر وتونس والسنغال ومالي والنيجر وتشاد وسوريا ولبنان هي التي غزت فرنسا، ولم تكن الصومال وليبيا هما اللتان غزتا إيطاليا، ولم تكن مصر والسودان وفلسطين والعراق والإمارات الإسلامية في الهند هي التي غزت إنجلترا» [المرجع السابق: ص13].
ومن عدوانية الغرب المعاصرة وغزوها للآخرين وصناعة بؤر الصراع بالعالم الإسلامي ما ذكره من بعض النماذج والأمثلة بقوله: «خلال القرون الأخيرة لم يحدث أن غزت دولة مسلمة دولة غربية، وبالعكس يشهد تاريخ الاستعمار أن العالم القديم والعالم الجديد كانا دائماً هدف الغزو من قِبل الغرب. لمدة طويلة سابقة وحتى نهاية النصف الأول من القرن المنصرم [القرن العشرين] كان العالم الإسلامي – باستثناء أجزاء يسيرة – تحت سلطان الغرب نتيجة الغزو والحرب، وبعد انتهاء هذا السلطان الاستعماري المباشر، ظلت القيادات السياسية والعسكرية والثقافية والتربوية في العالم الإسلامي – عدا ما ندر منها – قيادات علمانية. أي أن الإسلام خلال تلك المدة لم يكن في الغالب مسؤولا عن الأعمال العسكرية داخل العالم الإسلامي، أو بين العالم الإسلامي وخارجه.
وفي القرن المنصرم أشعل الغرب حربين عالميتين في خلال خمسة وعشرين عاما. أما في هذا القرن فقد أشعل الغرب حربين عالميتين [أفغانستان والعراق] خلال عام ونصف» [المرجع السابق: ص13].
ويلفت الحصين نظر القارئ إلى دور الثقافات في تحريك (الطبيعة العدوانية) أو ترويضها، وعن ما هي الثقافات أو الأديان القادرة على الترويض والتسامح والتخلي عن الحرب والعدوان؟ وما هي العاجزة؟ لا سيما في عصور الحضارة الحديثة!، فيقول عن هذا: «ولا تشهد أحداث هذه الحروب على أن الثقافة الغربية كانت تنجح دائما في ترويض الطبيعة العدوانية في الإنسان الغربي وتَحْمِله على التسامح والتخلي عن العدوان. بل إنه حتى عندما تُعتبر الحرب سلوكاً بشرياً معتاداً، ومن ثم لا تُعتبر بالضرورة نتيجة للنزعة العدوانية في ثقافة معينة، فإن قيام المحارِب بالقتل والتدمير - حيث لا تقتضي ذلك ضرورة الحرب - يُبرزُ القول بوجود صلة بين النزعة العدوانية للمحارِب وثقافته» [المرجع السابق: ص13-14].
ويضرب أمثلة على هذه العدوانية غير المبرَّرةِ، لا سيما أنها حدثت بعد الانتصار! أو جاءت ضد أسرى!، بمعنى عدم وجود مبرر لهذه العدوانية، وذلك بقوله: «وفي حالة الحروب الغربية: ففي الحرب العالمية الثانية في القرن المنصرم مثلاً، لم تكن ضرورات الحرب بعد أن تَقَرَّر مصيرها تقتضي القصف الاستراتيجي على درسدن الألمانية، أو قتل (مائتي ألف) من غير المقاتِلين في هيروشيما اليابانية، أو قصف ناجازاكي التي لم تكن هدفا عسكريا بالقنبلة النووية. وفي حرب التحالف الدولي ضد أفغانستان مثلا لم تكن ضرورات الحرب تقتضي قصف الأسرى بالمروحيات في قلعة قانجي» [المرجع السابق: ص14].
ويصف الحصين بطريقة مختلفة في آخر حديثه عدوانية دول الاحتلال، وهذه الحروب المجنونة بحق، والتي تعد طبيعة نفسية وثقافة متأصلة لدى الغرب، تؤكدها أفلام الرعب الغربية ويصدقها الواقع، ويتساءل الحصين عن حقيقة من هو المتسامح؟ ومن هو العدواني؟ ليكون القارئ هو من يحكم بنفسه ويستنتج قائلا: «هل صحيح أن العدوانية صفة مميزة للثقافة الإسلامية؟، وأن التسامح صفة مميزة للثقافة الغربية؟» [المرجع السابق: ص18].
والحصين وهو ناقد لهذا السلوك العدواني الغربي يستغرب كثيرا حال بعض المثقفين من المسلمين حول مفاهيمهم الناقصة أو القاصرة تجاه هذه العدوانية الغربية!، وما يصحبها - لدى هؤلاء - من تجاهل قِيَم التسامح في الإسلام عبر معظم عصور تاريخ المسلمين في المعمورة، لا سيما أن هذه الآراء القاصرة تأتي في الوقت الذي يعتدي فيه التحالف الدولي عسكريا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ما بين عامي 2001-2021م، على أفغانستان والعراق -على سبيل المثال-، وقد سُفك فيهما الدماء لملايين من البشر من القتلى، وانتُهِك بها حقوق الملايين من بني الإنسان بصناعة الهجرة والمشردين، حتى كان تحويل الغرب - بحروبه المفتعلة - تلك الدولتين إلى خراب ودمار بإرهاب غير مسبوق!، وهو ما ينفي الصفة الحضارية عن الغرب.
والحقيقة أن هذا الحشد من الأدلة التي تم اختصارها في هذا (الموضوع): تؤكد أن هذه الحروب منزوعة القِيَم والإنسانية، والعدالة والأخلاق، وتصنع ردود الفعل والكراهية والعِداء بين الشعوب والأمم والدول، بل إن هذا الواقع يُسقط عن الغرب مزاعم التحضر والرُقي.
وأقول معلقا ومتسائلا: هل الحرب الأوروبية القائمة في أوكرانيا 2022م تُعد أنموذجا آخر لحروب الحضارة الحديثة؟ وهل هي مرشحة للأسوأ، خاصة مع فشل المنظومات الأممية؟! إضافة إلى أنها حرب عالمية بين دول الناتو وأنصارها من جهة، وبين روسيا وأنصارها من جهة أخرى على الأرض الأوكرانية!، وهي مع هذا كله حرب يتم فيها التصعيد الأمريكي للصراع بكل صوره!.
فهل هذا الاستنزاف والتصعيد مع روسيا سيكون مُؤهِّلا ومحركا لحرب نووية قريبة؟، وهل ما ذكره الحصين عن واقع التسلح الغربي وآثاره المدمرة ومخاطره هو ما سيجتاح العالم في القرن الحادي والعشرين أكثر مما مضى؟! وهل هذه الحروب الحديثة بهذه الآليات العسكرية التدميرية وجه آخر لحقيقة الحضارة الغربية وفلسفتها الأنانية القائمة على القوة والمصالح الخاصة، التي ربما تقود إلى تدمير الحضارة البشرية؟! (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين).