خضر عطاف المعيدي

ألا ليت العام كله رمضان!

الاحد - 16 أبريل 2023

Sun - 16 Apr 2023

رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي ... مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ

لا تَسقِني إِلّا دِهــاقاً إِنَّني ... أُسقى بِكَأسٍ في الهُمومِ دِهاقِ

فرضية الصوم لا تقتضي الجبر بالقيام بالطاعة وإنما الرقي بالإنسان جسدا وروحا وذلك بتنظيم إلهي سماوي ووفق حكمة مجهولة بشريا أو قد فسرت خطأ. رمضان هو أرقى أكاديمية وأدق تطبيق يعيد ضبط المصنع للمجتمعات الإسلامية أفرادا وجماعات. بالمثال يبسط الأمر، فقد سألني يوما أحد زملائي الغربيين وهو من الملحدين لماذا تصومون رمضان؟ والسؤال أصعب من أن أختصره في جلسة عشاء، لكن أفهمته بأن البطر والنعمة لهما دور في إنكار النعمة ونسيان المُنعم وكذلك كلما اتخمت معدة الإنسان شعر بأن الكون قد استقر ضاربا بعرض الحائط كل من يفتقد حتى لأبسط الأمور ليعيش، وقلت له - وكان أمامنا قطع من الخس والطماطم التي لم تناسبه مع وجبة العشاء - بأن هذه البقايا من الطعام تعتبر حلما لفرد يزحف على بطنه ليعيش كريما في هذه الحياة ولا يمكن أن تصل لهذه الفلسفة إلا وأنت صائم فتعلم بأن ما تترقبه بغروب الشمس وأنت جائع أثقل كاهلك به الصيام يترقبه إنسان في مشارق الأرض ومغاربها لأيام ولا يجده... ولا زلت أتذكر نظراته لهذا اليوم.

غياب مثل هذه الفلسفة عن الصيام وكيف أنه يقدم لنا أجمل صيانة دورية تشمل الجسد والعقل والروح أدى إلى تفسيرات خاطئة عن هذا الشهر الفضيل ليتغلغل في أذهان الكثير بأن رمضان له ارتباط جذري بالكسل والخمول وزيادة الوزن وإهمال العمل والتراخي في أداء الواجبات والسهر وانتظار وميض إجازة أو تأجيل دوام وما إلى ذلك من الأمور التي ارتقت بعضها من عادات لتكون من المقدسات المجتمعية وليست الدينية. أليس الأكل هو الأكل في رمضان وفي غيره والشراب هو الشراب والوقت هو الوقت والإنسان هو الإنسان والمسجد هو المسجد وغيرها من الأمور. لماذا تتغير نواميس الكون في رمضان فتزدحم المطاعم أكثر من أن تزدحم المكتبات وباحات ممارسة الرياضة، توزع الوجبات على الفقراء حتى على سائقي السيارات في الطريق العام وعند إشارات المرور وفي بقية العام لا يعلم هل بات جاره جائعا أم شبعانا وهل تفقد من حوله وهل هم في عوز وحاجة حجبها عن الناس العفة والحياء؟ استنفار غير مسبوق أفرادا وجماعات وكأننا في عرصات القيامة لتفطير الصائمين ومد السفر للمحتاجين وكأن الله لن يعطيك الأجر إلا في رمضان!!

وتنتهي أيام رمضان ليدخل شوال فيأتي الفقير للمسجد ولا يجد من يتلفت لحاله، ينظر هل سيجد سفرة خارج المسجد تسد جوعه؟ ويراقب العامل أهل البيت الذي كان يتلذذ بما يقدمون من السمبوسة والشوربة والعجائن بأنواعها فلا يعلم هل تطايرت الصحون أم انتقل أهل البيوت للدار الآخرة فانقطع عنه المدد...! ولا يعلم المسكين أنه لابد أن ينتظر لرمضان القادم، فالصحون قد ذهبت للمخازن ولن يؤذن لها بالخروج إلا في رمضان القادم فعليه شد المئزر والتحلي بصبر أيوب أحد عشر شهرا لتهطل الصحون والأطباق في شهر رمضان القادم من جديد.