تردد أبي العلاء وتقلب المتنبي
الأحد - 16 أبريل 2023
Sun - 16 Apr 2023
انطلق برنامج عام الشعر العربي 2023 برعاية كريمة من جامعة الملك خالد وشراكة أدبي أبها، وكمشاركة رأي أقول إن ما بين أيدينا من الشعر العربي الحديث أو الموغل في القدم يشهد بأن الجاهلية القريبة ليست عهد نشأته أو صباه على كل حال، بل ينتقل بين عهود بدوية وحضرية، ويقال على السنة مختلفة الأنساب والثقافات والدراسات، وهو بهذا لم يقصر على السلالات العربية دون سواها، ولا على المجتمعات البدوية دون غيرها، وإنما انصبت في أوديته وشعابه ثقافات وحضارات مختلفة، اختارت العربية ترجمانا لما لديها من أخيلة وأفكار.
ولهذا فإن نعت الشعر العربي جميعه بنعوت البداوة أو الحضارة في مختلف عصوره وأزمانه ومختلف قائليه ومجوديه يعتبر مجازفة تعرض صاحبها إلى الخطأ في التقدير، وإلى مجافاة القصد في الأحكام.
إن الشعر استعداد يبدأ فطريا من غير باعث أو مثير خارجي، ثم ينمو بفعل المؤثرات التي منها البيئة الاجتماعية والتربية والتعليم، ولم تستأثر البواعث الخارجية في حفزه وتوجيهه إلا بعد أن يبلغ صاحبه الإجادة، وهي مرحلة متأخرة قد لا يبلغها الشاعر إلا بعد فترة طويلة، فهو يتغزل قبل أن يحب؛ ويمدح قبل أن تقوم له ظروف قاسرة على الاستجداء، ويصف ما تقع عينه عليه، أو يصف الترف قبل أن يعرف كيف تكون موائد المترفين، وهو يخلق لنفسه بواعث من خلالها، ويظل على هذا وهو يعالج أمر الشعر ويعاني قرضه؛ حتى إذا استوت له بواعث القول من حب يسوقه إلى الغزل أو ضيق يجبره إلى التكسب بالمدح، أو مناسبة تضطره إلى الهجو، تغزل ومدح وهجا؛ وهو حتى في هذا الحال يظل بالدرجة الأولى تحت باعث حب الشهرة ذات الحافز الداخلي، والرغبة في كسب الشهرة أكثر من كسب المال؛ لأن مجال تنفس الشهرة كان محصورا في أغلب الأحوال في مجالس الخلفاء والأمراء والولاة؛ فكان لابد لهم أن يتنفسوا في تلك الأجواء، وعليه فليس تزلفهم للظالمين بدافع التزلف وحده، أو الرغبة في تمكين أسباب العسف والطغيان ولكن لأن الموهبة الشعرية في صدورهم لا تجد لها متنفسا إلا في تلك المجالس.
أخيرا، ووصلا بما تقدم فإنه لا ينظر إلى مسالك الشعراء إلا من الوجهة الفنية البحتة التي يولونها الاعتبار الأول في كل سلوك، واتجاه، ولم يكن النقاد ينظرون إليهم إلا من هذه الزاوية، ومتى وضعنا الأمور في نصابها، وفي حدود قدرة الناقد المدرك لواقع الشاعر العربي والشعر العربي القديمين أدركنا واقع مهمته ورسالته، وجنبناه تحمل المسؤولية من مكافحة ظلم الظالم أو مناصرة حق المحق، ورفعناه عن الاستجابة لزهد الزاهدين أو ترف المترفين، وآمنا بأن كل ما يصدر عنه خاضع بالدرجة الأولى إلى الاستجابات الفنية فيما وصلت له حدود موهبته ونظمه للشعر.
الشاعر العربي القديم كآلة التصوير الحديثة، تقع على مختلف الأشياء فتصورها، سواء عليها أن تقع على ملاك أو شيطان، وبهذا نفسر التناقض الحاصل في شعر أبي العلاء من تردده بين الإيمان والشك والتفاؤل والتشاؤم، ونصل بين دعاوى أبي الطيب المتنبي في العزة والكرامة وخضوعه وتقلبه على باب كافور.
hq22222@
ولهذا فإن نعت الشعر العربي جميعه بنعوت البداوة أو الحضارة في مختلف عصوره وأزمانه ومختلف قائليه ومجوديه يعتبر مجازفة تعرض صاحبها إلى الخطأ في التقدير، وإلى مجافاة القصد في الأحكام.
إن الشعر استعداد يبدأ فطريا من غير باعث أو مثير خارجي، ثم ينمو بفعل المؤثرات التي منها البيئة الاجتماعية والتربية والتعليم، ولم تستأثر البواعث الخارجية في حفزه وتوجيهه إلا بعد أن يبلغ صاحبه الإجادة، وهي مرحلة متأخرة قد لا يبلغها الشاعر إلا بعد فترة طويلة، فهو يتغزل قبل أن يحب؛ ويمدح قبل أن تقوم له ظروف قاسرة على الاستجداء، ويصف ما تقع عينه عليه، أو يصف الترف قبل أن يعرف كيف تكون موائد المترفين، وهو يخلق لنفسه بواعث من خلالها، ويظل على هذا وهو يعالج أمر الشعر ويعاني قرضه؛ حتى إذا استوت له بواعث القول من حب يسوقه إلى الغزل أو ضيق يجبره إلى التكسب بالمدح، أو مناسبة تضطره إلى الهجو، تغزل ومدح وهجا؛ وهو حتى في هذا الحال يظل بالدرجة الأولى تحت باعث حب الشهرة ذات الحافز الداخلي، والرغبة في كسب الشهرة أكثر من كسب المال؛ لأن مجال تنفس الشهرة كان محصورا في أغلب الأحوال في مجالس الخلفاء والأمراء والولاة؛ فكان لابد لهم أن يتنفسوا في تلك الأجواء، وعليه فليس تزلفهم للظالمين بدافع التزلف وحده، أو الرغبة في تمكين أسباب العسف والطغيان ولكن لأن الموهبة الشعرية في صدورهم لا تجد لها متنفسا إلا في تلك المجالس.
أخيرا، ووصلا بما تقدم فإنه لا ينظر إلى مسالك الشعراء إلا من الوجهة الفنية البحتة التي يولونها الاعتبار الأول في كل سلوك، واتجاه، ولم يكن النقاد ينظرون إليهم إلا من هذه الزاوية، ومتى وضعنا الأمور في نصابها، وفي حدود قدرة الناقد المدرك لواقع الشاعر العربي والشعر العربي القديمين أدركنا واقع مهمته ورسالته، وجنبناه تحمل المسؤولية من مكافحة ظلم الظالم أو مناصرة حق المحق، ورفعناه عن الاستجابة لزهد الزاهدين أو ترف المترفين، وآمنا بأن كل ما يصدر عنه خاضع بالدرجة الأولى إلى الاستجابات الفنية فيما وصلت له حدود موهبته ونظمه للشعر.
الشاعر العربي القديم كآلة التصوير الحديثة، تقع على مختلف الأشياء فتصورها، سواء عليها أن تقع على ملاك أو شيطان، وبهذا نفسر التناقض الحاصل في شعر أبي العلاء من تردده بين الإيمان والشك والتفاؤل والتشاؤم، ونصل بين دعاوى أبي الطيب المتنبي في العزة والكرامة وخضوعه وتقلبه على باب كافور.
hq22222@