عبدالله سعود العريفي

جربها ولن تخسر

السبت - 15 أبريل 2023

Sat - 15 Apr 2023

إنها أحد أهم الأصوات التي يعبر بها كل الأقوام عن أغراضهم، ويعربون بها عما في نفوسهم، ويصرحون بها عن أهدافهم، وهي مشاعة بين كل الأجيال ومشتركة بين كل الأمم السابقة واللاحقة، وذائعة بين كل الجماهير ومنتشرة بين كل الشعوب، وهي آلية سهلة ويسيرة ومريحة يتواصل بها جميع الناس فيما بينهم، في اتفاق ووئام وتفاهم وانسجام، ويتقاسمونها ويتشاركون بها ويستوعبونها في جميع أنحاء المعمورة، بلا موانع أو عوائق أو صعوبات أو عقبات، على الرغم من تباين ثقافاتهم واختلاف لغاتهم وعدم تطابقها، وتعدد لهجاتهم التي جبلوا عليها فاعتادوها.

هي مفتاح غامض خفي تكتنفه أسرار غير مفهومة لاستمالة القلوب وجذبها والقرب، منها ولزرع المحبة ونشر الثقة وبث الارتياح، وهي وسيلة نافذة لها تأثير عميق وواسطة ناجعة، لها مفعول تام وأداة فعالة ذات تأثير قوي تحسس الآخرين بالحب في معاملاتهم، وتشعرهم به في تصرفاتهم، وهي شيء مستور وسر من الأسرار قد يتعذر فهمه، وسبيل مختصر للتقارب بين جميع القلوب وتلاقيها، ودلالة على الصحة النفسية السليمة وعلامة عليها، وهي برهان ارتقاء وقرينة تحضر ودليل أناقة، وعنوان رقة وإثبات جمال.

وحين النظر في تقاسيم وجوه أصحابها والتبصر في تقاطيعها، والتمعن في معالمها والتأمل في ملامحها، تتضح الرسوم الساطعة التي لا غبار عليها ولا غموض فيها ولا التباس بها، وإنما هي نماذج جلية لا تقبل الشك ولا الارتياب ولا التردد ولا التلجلج، وكأنها ورود متفتحة تويجاتها، وأخلاط طيب منتشر الرائحة، تصل نسائمه الهادئة وأرياحه الخالية من الضجيج والجلبة، فتمازج القلوب وتثير ضحك أسارير الوجوه وبريقها، وتبعث السرور والشعور بارتياح النفوس وتنشر البهجة وتبث الفرح، وهي علامة مميزة من علامات النبلاء، وسمة فريدة من سمات الشرفاء، ولغة رفيعة المنزلة عالية الشأن، وإطلالة بهية ونفس أريحية ونفحات نسمات من خلالها شعور أن للحياة لذة، وفيها عبق من أمل وتأمل يعطر الأرواح والقلوب بالمتعة.

تعبير مطابق وإفصاح حقيقي وإعراب واقعي عن جمال وأناقة وظرافة الظاهر المحسوس، واللطف والرقة والنفس المرحة، والمواقف الحسنة الصادقة وتدفق الأحاسيس، قد تكون مفتاحا رئيسيا مناسبا، وكلمة سر دخول للقلوب بأريحية وهدوء وسلام ويسر ودون عناء، لا تدخل إلا موضعا يناسب مقامها ولا تنفذ إلا في مكان يليق بمكانتها؛ فهي تدخل القلوب التي تألف وتؤلف، والنقية من الغل الكامن والخالية من الحقد الدفين، والمصفاة من سوء الظن المقيت.

تخالط النفوس وتحويها وتجعلها مملوءة بشاشة مثيرة ولباقة مدهشة ولطافة عجيبة، تساندها بعناصر بارزة أريحية تغمر حياتها استبشارا وتطلعا، وتجعلها تترقب باستمرار بأن الأحسن لا بد آت، وتتوقع على الدوام بأن الأجود لا ريب مقبل، وتتنبأ أبدا بأن الأحلى لا محالة قادم.

فلم إذن، لا يبتسم الإنسان دأبا وتمرسا؟ ولم لا تنفرج أسارير كل الوجوه في كل وقت وتنبسط محاسنها على الدوام وتنشرح ملامحها باستمرار على الرغم من كل شيء؟ فهل يمكن إتقان مهارة الابتسامة اللائقة، وإحكام البراعة في إجادة تهلل الوجوه وإشراقها وتلألئها واستهلالها فرحا، وإجادة التمكن من ضبط حسن طلاقة المحيا؟ فأطلق النفس على سجيتها وصفتها الفطرية، وتصرف تصرفا طبيعيا، وجربها ولن تخسر.