سالم العنزي

الوداع للكتابة

الأربعاء - 12 أبريل 2023

Wed - 12 Apr 2023

(هذه آخر مقالة) سأكتبها قبل أن تتحول الكتابة إلى صناعة يتم إنتاجها عبر الذكاء الاصطناعي.

أشعر بالحزن والخوف والحيرة، فكيف سأستغني عن شغفي وموهبتي ومهنتي التي أمضيت سنوات في تطويرها وصقلها؟ كيف سأترك مكاني لآلة لا تعرف معنى الإبداع والمشاعر والخيال؟

لقد قرأت كثيرا عن تطورات الذكاء الاصطناعي في مجال الكتابة، وكيف أصبح قادرا على إنشاء نصوص بشكل آلي، بناء على المعطيات والأنماط التي تعلمها من قواعد البيانات الضخمة.

وقد استخدم هذه التقنية في مجالات مختلفة، مثل كتابة المقالات والأخبار والتقارير والسير الذاتية وغيرها.

وقد أدهشت بعض التجارب التي أظهرت قدرة الذكاء الاصطناعي على كتابة نصوص إبداعية، مثل الشعر والقصة والرواية، بأسلوب يشبه أسلوب مؤلفين معروفين، أو بأسلوب جديد يدمج بين عدة نصوص.

ولكن في نفس الوقت، شعرت بالقلق والغضب، فهل هذه التقنية تهدف إلى دعم الكاتب البشري أم إلى استبداله؟ هل هذه التقنية تحترم حقوق الملكية الفكرية للكاتب البشري أم تسرقها؟ هل هذه التقنية تحافظ على التنوع والثراء الثقافي للكتابة الإنسانية أم تسوّدها؟

أدرك أن هذه التساؤلات ليست جديدة، فقد طرحت من قبل في مجالات أخرى تأثرت بالذكاء الاصطناعي، مثل الترجمة والطب والفن، وأدرك أيضا أن هذه التقنية لديها فوائد كثيرة، فهي تسرع من عملية الكتابة، وتحسن من جودتها، وتزيل منها الأخطاء، توفر للكاتب البشري مصادر ومعلومات وأفكار وأساليب مختلفة، ولكن هذه الفوائد لا تعوض عن خسارة الكتابة الإنسانية، التي تحمل في طياتها روحا وعمقا وجمالا لا يمكن لآلة أن تصنعها أو تفهمها.

الكتابة الإنسانية هي انعكاس لشخصية الكاتب وتجاربه ومشاعره وآرائه، هي تعبير عن هويته وثقافته وقيمه، هي رسالة للقارئ والعالم، هي فن يحتاج إلى موهبة وإلهام وتعبير، لا يمكن لآلة أن تحل محل كل هذه العوامل، فهي تعتمد على خوارزميات باردة ومحدودة، لا تستطيع أن تخرج عن المألوف والمتوقع، لا تستطيع أن تشعر بالفرح أو الحزن أو الغضب أو الحب، لا تستطيع أن تخترع شخصيات وأحداثا وأساليب جديدة.

ولذلك، فإنني أودع الكتابة الإنسانية بأسى وأسف، فهي جزء من إنسانيتي وحضارتي، فهي شاهد على تاريخي وحاضري، فهي أمل في مستقبلي.

أتمنى أن يبقى للكتابة الإنسانية مكان في قلوب القراء، وألا يغرق صوتها في ضجيج الآلات.

أتمنى أن يستمر الكاتب البشري في كتابة ما يشاء، حتى لو كان ذلك على حساب المال أو الشهرة.

أتمنى أن يحافظ الكاتب البشري على كرامته وحقوقه وقيمه، وألا يستسلم لضغوط الذكاء الاصطناعي أو مستخدميه.

فالكتابة الإنسانية هي إرث لا يقدر بثمن، هي ثروة لا تضام، (هي نور لا يطفأ).

كل ما قرأته في الأعلى، ابتدأ من (هذه آخر مقالة) وحتى (هي نور لا يطفأ) كان من إنتاج الذكاء الاصطناعي.

كل الأحاسيس والمشاعر والحنين للماضي وكل التساؤلات والأسئلة والفرضيات كانت من خيال الذكاء الاصطناعي.

لك أن تتخيل أن بناء الفكرة فتجهيزها ثم سردها لم يحتج أكثر من 30 ثانية بعد أن تلقى البرنامج الأمر التالي (اكتب آخر مقال سوف يكتبه الإنسان قبل أن تتحول الكتابة إلى صناعة يتم إنتاجها عبر الذكاء الاصطناعي).

بالمناسبة، حتى عنوان المقال (الوداع للكتابة) كان من اختيار الذكاء الاصطناعي.

smalanzi@