عبدالله مشرف المالكي

طعم الذكريات

الخميس - 06 أبريل 2023

Thu - 06 Apr 2023

تمر الحياة أمام أعيننا كشريط سينمائي، تحتفظ فيه بعض المشاهد بجودتها، فتعرض بعد سنوات بكامل تفاصيلها الدقيقة، وتبهت بعض المشاهد، فنحاول جاهدين أن نتذكر من كان هنا، وماذا قيل في هذه اللحظة، إلا أن الزمن ينتصر في النهاية، فلا نتذكر سوى ما يريدنا أن نتذكره. وفي كل هناك طعم لكل ذكرى، ولكل صورة، ولكل صوت.

أحيانا يكون الطعم حلوا بحلاوة الأشخاص الذين يحضرون في الذاكرة، وبحلاوة الأحداث والمواقف، الكلمات والهمسات، الإيماءات والحركات، وأحيانا يكون الطعم مرا بمرارة الفقد أو الخسارة أو الخديعة أو النكران.

ماذا علينا أن نفعل؟ إنها ذكرياتنا التي علينا أن نتقبل حلوها ومرها؛ لأنها في الحقيقة جزء منا، من شخصياتنا وتاريخنا، هي مكون لا يمكن تجاهل تأثيره في الشخصية النهائية التي نحن عليها الآن.

ومع ذلك، فإني أميل إلى أن أستثمر تذوق الذكريات في تعظيم لحظات الفرح في حياتي الحالية، أفضل أن أفتح صناديق الذكرى في عقلي التي كتب عليها، «ذكريات مضحكة»، أو «ذكريات مفرحة»، أو «ذكريات شكر وامتنان».

إنما أفعل ذلك لأنني عشت هذه الذكريات بصدق، وانتميت إليها وإلى من شاركوني إياها بحب، لذلك أجد فيها دائما زادا لا ينضب، ورافدا لا ينقطع من المشاعر الإيجابية التي تعينني على تخطي اللحظات الصعبة، والمواقف المتصلبة.

إن طعم الذكريات الحلو الذي يجري في فمي كلما فتحت صندوقا محببا إلى نفسي، لم يخيب ظني قط. ففي كل مرة استعنت فيها بذكرى لطيفة مع شخص أحببته، أو موقف غمرته مشاعر المودة والتقدير، إلا ونهضت من عثرتي، وألقيت عن كاهلي عبء التفكير في الشدائد والملمات.

العودة للذكريات ليس هروبا من الواقع، وإنما أشبه بإعادة الاتصال والتواصل مع نقاط القوة فيما مضى من عمري، باستلهام اللحظات التي تنمي مشاعري الإيجابية. إن الأمر أشبه بزيارة إلى بستان زاهر، تعرف مسبقا أن في ثمار أشجاره غذاء ودواء لكل أوجاعك وآلامك.

استمتعوا بذكرياتكم، واحتفظوا بها جيدا حية، نابضة، قوية، احتفظوا بالصوت والصورة، بالرائحة والملمس، عيشوا هذه اللحظات بحواسكم الخمس جميعها، عظموا أفراحكم بالذكريات، واستعينوا بها على تجاوز الأحزان والهموم، ولحظات الإحباط والضعف.