محمد مسفر الشردان

يوم الفرح

الخميس - 06 أبريل 2023

Thu - 06 Apr 2023

في كثير من الأحيان يمتنع الطبيب عن حضور المناسبات الشخصية للمرضى، لأن هذا قد يكون شبهة للمحاباة وقد يخرق أحد أصول الثقافة الطبية وهي المساواة، في بعض الأحيان إذا خرج المريض من رعاية الطبيب بحيث لم يعد هذا الطبيب مسؤولا عن حالته الصحية قد يجوز على مضض قبول مثل هذه الدعوات، وهذا ما حصل فيما ترون في السطور اللاحقة.

في هذا المقال نختتم السلسلة التي بدأناها منذ أسابيع عن المريض مايكل، وعزيمة ابنته كاثي لي لحضور حفل زفافها.

في يوم الزفاف، لبست بدلة زرقاء وانطلقت إلى مدينة سانت كاثرين وصلت هناك بعد الظهر الزفاف يبدأ الساعة الثانية ظهرا.

كان الزفاف في مزرعة للعنب، وصلت إلى المزرعة لا أعرف من أقابل.

نزلت من السيارة وانطلقت إلى مكان الحفل، استقبلني الزوج وأصحابه وهمس لي أن مايكل مشتاق لرؤيتك.. قال هذه الكلمة وتبادر في ذهني صورة مايكل وهو هزيل يحاول المشي بمساعدة المشاية.

دخلت المكان وقابلت الممرضات وبعض الزملاء الذين انقطعت عنهم قرابة السنة، تكلمنا وتذكرنا بعض المواقف المضحكة ثم نادى مناد أن الحفل سيبدأ، اتجهنا إلى مقاعدنا.. المقاعد بيضاء مرصوفة جنبا إلى جنب في عشرين صف في كل صف عشرة مقاعد على اليمين وعشرة على اليسار وبينهم ممر، في الصفوف الأولى أهل الزوج وأهل الزوجة ثم الأقربون بشكل متتال، بدأ دخول أصحاب الزوج تبعهم صاحبات الزوجة ثم مشى الزوج حتى وصل إلى القسيسة، ثم سمعت صوت اندهاش والناس التفت إلى الوراء، كانت كاثي تمشي في فستانها الأبيض يسبقها فتاتان ترميان أوراق الورد وهي متأبطة ذراع رجل ممشوق في حلة سوداء وهم يمشون رويدا رويدا، لم تخطئ عيني الدموع في عيني ذلك الرجل ولا الدمعة المتحدرة على خد كاثي، مشيا حتى وصلا إلى القسيسة وبدأ الاحتفال.

قالت القسيسة بعد خطبة أشبه ما تكون بخطبة النكاح هل تقبل بكاثي زوجة لك قال نعم، وهل تقبلين به زوجا لك قالت نعم ثم قبلها وصفق الجمع واختلط التصفيق والبكاء.

قمنا من المكان وكانت هناك بعض المقبلات والمشروبات، كنت واقفا مع الزملاء والزميلات في حلقة وكنت في طرفها البعيد مستمتعا بضلع خروف مكسي بالفستق، جاء الرجل الذي كان قد صحب كاثي وسلم علينا ثم بدأ يتحدث إلى أقرب الممرضات إليه مارلين وقال كنت في المستشفى في أيام الكرسمس، وكنت ضعيفا جدا جاءتني مارلين ووضعت شجرة كرسمس صغيرة وأعطتني شوكلاتة كانت تلك من أفضل اللحظات لدي خلال تواجدي في المستشفى، ثم نظر في الوجوه وقال لعل بعضكم لا يعرفني، أنا كنت لا أستطيع المشي من جراء ظهري ثم قيض الله لي الدكتور الشردان الذي جاء بي من هنا إلى أوتاوا وقام بعملية تعثرت بعض الشيء، لكن هذا أفضل شيء حصل لي في حياتي، والدكتور له فضل على هذه العائلة فهو قد عالج جد ابنتي وأعطاه سنتين في آخر عمره استمتع فيها.

الممرضات كنّ ينظرن بدهشة إذ إنه يتكلم عني بلسان الغائب، فأشارت إليه إحداهن تقصد الدكتور الشردان هذا! وكأن غشاوة زالت عن ناظريه، أُلجم الكلام واغرورقت عيناه بالدموع وفتح يديه يريد أن يحضنني، فاتجهت إليه وحضنته فضمني بشدة وقبل رأسي وبكا، ثم شكرني على أنني كنت سببا في أن يستطيع أن يمشي مع ابنته في يوم زفافها.

أخذ بيدي وأصبح يمشي بين الضيوف يخبرهم بأنني أفضل أصدقائه وأنني أنا الجراح الذي أنقذ حياته، وكل ما يدور في خلدي كيف أخرج من هنا.

لم يفارقني في ذلكم الزفاف إلا عندما ذهب ليرقص مع ابنته ثم رجع إليّ وأقسم أن أبيت ليلة عندهم.

خلال تلك الفترة كلها كنت منحرجا من إكرامهم لي وأنا أعلم أنني لم أقدم الكثير بل أصابته مضاعفات أدت إلى تأخر شفائه واضطراره إلى أن يكون في مستشفى التأهيل بضعة أشهر، كنت ممتنا جدا بحفاوته، وخجل من إكرامه، ومتعجبا من حسن ظنه فكان لا يرى من الدوامة إلا الخير، أخبرته أني سأكتب قصته ففرح جدا شكرته في اليوم التالي ورجعت إلى تورونتو، في الطريق هاتفت صاحبي أحمد، أخبره بالمفاجأة وكيف كنت في ضيق نفس شديد والآن لا تسعني الفرحة، «وكان فضل الله عليك عظيما».