مبالغات فطرية!
الثلاثاء - 04 أبريل 2023
Tue - 04 Apr 2023
ستبقى المبالغة جزءا من تركيبة الإنسان الفطرية، المبالغة تعني أن يميل بأقصى رأيه أو فعله نحو اتجاه معين، وقد لا يصل إلى أقصاه أو يصله لكن بنسب متفاوتة بين شخص وآخر أو اتجاه وآخر، لكن سر المبالغة؛ أنها ملازمة للإنسان بشكل مذهل ولا يصدق، ولا يقتصر أمر ميل الإنسان للمبالغة على سلوك أو اتجاه فحسب، بل يصل إلى رأي ونظرية ومذهب واتجاهات فكرية وفلسفية.
فسرت نظريات فلسفية بأنها صورة للتطرف والمبالغة ورغم أنها كذلك إلا أنها وجدت أتباعا بل وحققت انتصارات على مستوى الفكر والفلسفة وحتى السياسة وربما تحولت لعقائد قادت الحروب، فمن النظر إلى مذهب ماركس في التفسير المادي للتاريخ حتى تلقت ذلك الشيوعية وعكست تلك النظرية كاتجاه واقعي متطرف، تم مقاومته بعد أن ثبت فشله وتطرفه، ويماثله في التصور ما فعله هتلر وقناعاته المتطرفة في العنصر الآري، ولم تنج الأديان من صورة المبالغة والتطرف في بعض أتباعها فصنفت اتجاهات دينية في اليهودية والمسيحية والإسلام بأنها متطرفة نتيجة المبالغة في تفسيراتها للنصوص.
لم يقتصر الأمر في المبالغة على النظريات والفلسفة والأديان، بل الشعر والأدب هو الآخر تعرض لصورة مبالغة مبررة وغير مبررة، حتى قالت العرب عن الشعر عبارتها الشهيرة «أعذب الشعر أكذبه» وبعبارة مفسرة، أعذب الشعر أكثره مبالغة لدرجة مجانبته للصواب! في إشارة إلى أن أجمل الشعر هو الصورة المبالغ فيها برغم –يقينا– كذبه وعدم تعبيره عن الحقيقة.
وكنتيجة واحدة من تلك النتائج، ظهرت التشبيهات أو الاستعارات والمجاز، أما على مستوى العمل الروائي فيذهب الروائي للمبالغة في الأحداث الروائية حتى يتجنب تهمة الحدث العادي في كثير من الحالات، فإن كان ثمة من يصنف الروائي الرائع هو من «يقتنص من أحداث عادية وصفا روائيا غير عادي»، فإن هناك من «يقتنص من أحداث غير عادية بوصف غير عادي» ويعتبر من أجمل الأدب الروائي إن أجاد، ناهيك عن مذاهب روائية ظهرت فيها المبالغات كأدب رائع، كالواقعية السحرية أو أدب الخيال العلمي وهما يستندان إلى المبالغة في الحدث واللغة لتكريس التميز الروائي فيها.
على مستوى الإعلام، واحدة من واجبات الإعلام والإعلامي اقتناص الحدث العادي ليحوله إلى حدث غير عادي، أشير هنا مقابلة الإعلامي داوود الشريان الذي ذهب لتغطية زيارة أحد المسؤولين القادمين للبلاد فلم ينزل من طائرته فعاد لرئيس التحرير ليعرب عن خيبة أمله في عدم قدرته على تغطية الحدث لأن المسؤول لم ينزل من طائرته ربما لعارض صحي يقال أنه ألزمه البقاء في دورة المياه، فأشار إليه رئيس التحرير بأنها ليست خيبة أمل، بل حدث غير عادي مما استدعي أن يغطي –بحدث عادي وروتيني وبناء على نداء الطبيعة– أن يحول الحدث إلى حدث إعلامي (مقابلة قديمة)، أو عندما قال له رئيس التحرير ابحث عن الناجين من الطائرة المحترقة كيف ألغوا حجوزاتهم ونجوا من موت محقق (المقابلة الأخيرة في برنامج الليوان).
يناصف عالم الإعلام في عنصر المبالغة؛ عالم الدعاية والإعلان والتجارة والتسويق وما يطرحه من مادة مشوقة –مبالغ فيها حتما على مستوى التعليق أو الصوت أو الصورة أو الجمالية أو حتى القبح إن كان مستهدفا– لتسويق المنتجات وكل هذه المبالغة تهدف بلا شك لحث الناس على الشراء والشراء المتواصل، ونتأمل في الوقت ذاته حال المتحدثين عن حالة الطقس وهم يبالغون في حالة التنبؤ في الطقس ومن ثم التحذير منه أو التبشير به، لإشباع نهم الناس في التنبؤ بالمستقبل القريب!
أيضا، ما يفعله أبطال السوشيال ميديا الآن هو تحويل الحدث اليومي من محتوى فارغ عبارة عن يومياتهم إلى حدث غير عادي من خلال المبالغة والتضخيم والتي تعتبر أداتهم لخلق الدهشة لدى المتلقي الساذج الذي يقارن بين حياته الأقل دهشة (في نظره) مع ما يخلقه بطل أو بطلة السوشيال ميديا من خلال إثارة تستخدم عنصر المبالغة من خلال تعظيم السفر وما فيه من رفاهية مزيفة وغير حقيقة أو على الأقل لا يمكن أن تتحقق لكل الناس بحكم الترتيب الطبيعي للبشر وكذلك تعظيم الفرح أو اللقاءات أو المعلومات من خلال محتواهم الفارغ أصلا.
Halemalbaarrak@
فسرت نظريات فلسفية بأنها صورة للتطرف والمبالغة ورغم أنها كذلك إلا أنها وجدت أتباعا بل وحققت انتصارات على مستوى الفكر والفلسفة وحتى السياسة وربما تحولت لعقائد قادت الحروب، فمن النظر إلى مذهب ماركس في التفسير المادي للتاريخ حتى تلقت ذلك الشيوعية وعكست تلك النظرية كاتجاه واقعي متطرف، تم مقاومته بعد أن ثبت فشله وتطرفه، ويماثله في التصور ما فعله هتلر وقناعاته المتطرفة في العنصر الآري، ولم تنج الأديان من صورة المبالغة والتطرف في بعض أتباعها فصنفت اتجاهات دينية في اليهودية والمسيحية والإسلام بأنها متطرفة نتيجة المبالغة في تفسيراتها للنصوص.
لم يقتصر الأمر في المبالغة على النظريات والفلسفة والأديان، بل الشعر والأدب هو الآخر تعرض لصورة مبالغة مبررة وغير مبررة، حتى قالت العرب عن الشعر عبارتها الشهيرة «أعذب الشعر أكذبه» وبعبارة مفسرة، أعذب الشعر أكثره مبالغة لدرجة مجانبته للصواب! في إشارة إلى أن أجمل الشعر هو الصورة المبالغ فيها برغم –يقينا– كذبه وعدم تعبيره عن الحقيقة.
وكنتيجة واحدة من تلك النتائج، ظهرت التشبيهات أو الاستعارات والمجاز، أما على مستوى العمل الروائي فيذهب الروائي للمبالغة في الأحداث الروائية حتى يتجنب تهمة الحدث العادي في كثير من الحالات، فإن كان ثمة من يصنف الروائي الرائع هو من «يقتنص من أحداث عادية وصفا روائيا غير عادي»، فإن هناك من «يقتنص من أحداث غير عادية بوصف غير عادي» ويعتبر من أجمل الأدب الروائي إن أجاد، ناهيك عن مذاهب روائية ظهرت فيها المبالغات كأدب رائع، كالواقعية السحرية أو أدب الخيال العلمي وهما يستندان إلى المبالغة في الحدث واللغة لتكريس التميز الروائي فيها.
على مستوى الإعلام، واحدة من واجبات الإعلام والإعلامي اقتناص الحدث العادي ليحوله إلى حدث غير عادي، أشير هنا مقابلة الإعلامي داوود الشريان الذي ذهب لتغطية زيارة أحد المسؤولين القادمين للبلاد فلم ينزل من طائرته فعاد لرئيس التحرير ليعرب عن خيبة أمله في عدم قدرته على تغطية الحدث لأن المسؤول لم ينزل من طائرته ربما لعارض صحي يقال أنه ألزمه البقاء في دورة المياه، فأشار إليه رئيس التحرير بأنها ليست خيبة أمل، بل حدث غير عادي مما استدعي أن يغطي –بحدث عادي وروتيني وبناء على نداء الطبيعة– أن يحول الحدث إلى حدث إعلامي (مقابلة قديمة)، أو عندما قال له رئيس التحرير ابحث عن الناجين من الطائرة المحترقة كيف ألغوا حجوزاتهم ونجوا من موت محقق (المقابلة الأخيرة في برنامج الليوان).
يناصف عالم الإعلام في عنصر المبالغة؛ عالم الدعاية والإعلان والتجارة والتسويق وما يطرحه من مادة مشوقة –مبالغ فيها حتما على مستوى التعليق أو الصوت أو الصورة أو الجمالية أو حتى القبح إن كان مستهدفا– لتسويق المنتجات وكل هذه المبالغة تهدف بلا شك لحث الناس على الشراء والشراء المتواصل، ونتأمل في الوقت ذاته حال المتحدثين عن حالة الطقس وهم يبالغون في حالة التنبؤ في الطقس ومن ثم التحذير منه أو التبشير به، لإشباع نهم الناس في التنبؤ بالمستقبل القريب!
أيضا، ما يفعله أبطال السوشيال ميديا الآن هو تحويل الحدث اليومي من محتوى فارغ عبارة عن يومياتهم إلى حدث غير عادي من خلال المبالغة والتضخيم والتي تعتبر أداتهم لخلق الدهشة لدى المتلقي الساذج الذي يقارن بين حياته الأقل دهشة (في نظره) مع ما يخلقه بطل أو بطلة السوشيال ميديا من خلال إثارة تستخدم عنصر المبالغة من خلال تعظيم السفر وما فيه من رفاهية مزيفة وغير حقيقة أو على الأقل لا يمكن أن تتحقق لكل الناس بحكم الترتيب الطبيعي للبشر وكذلك تعظيم الفرح أو اللقاءات أو المعلومات من خلال محتواهم الفارغ أصلا.
Halemalbaarrak@