محمد مسفر الشردان

ريكمندوما

الخميس - 30 مارس 2023

Thu - 30 Mar 2023

في كثير من الأحيان لا تجد هناك معزيا للطبيب، فهو في نظر الناس إنسان يقوم بمهمة معينة ثم ينصرف ليعيش حياته، ربما ما حدث في جائحة كورونا سلط الضوء بشكل جزئي على مشاعر العاملين في القطاع الصحي وتأثير المرضى النفسي عليهم، يلجأ كثير من الأطباء إلى من يثقون فيه من صاحب أو أستاذ لبث الهموم لعلهم يحملون عنهم بعض العبء.

ريكموند هي كلمة إنجليزية تعني تزكية واللاحقة «أوما» تعني تورم أو انتفاخ من اللغة الإغريقية، ومصطلح ريكمندوما يستخدم أحيانا في حالات المرضى الذين جاؤوا بتوصية من أحد ما وأصابتهم مضاعفات غريبة، ويبدو أن مثل هذه الفكرة موجودة في أكثر من مكان، وليس بمعلوم ما السبب وراء هذه المضاعفات هل هو تغير الروتين أو الحرص الزائد الله أعلم.

إكمالا لسلسلة المقالات التي بدأناها منذ أسابيع لقصة المريض مايكل، نتطرق اليوم لفترة ما بعد العملية الجراحية.

رجعت للبيت اتصلت بجاري وصاحبي أبثه ما بي من ألم، ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة.. يواسيك أو يسليك أو يتوجع.

حضر صاحبي استشاري جراحة الصدر وجلسنا نتحدث بطبيعة الحال هو لا يعرف دقائق تخصصي لكن تكلمنا من ناحية الأساسيات وسألني أسئلة جوهرية، هل لو عاد بك الزمن ونظرت إلى أشعة المريض وحالته السريرية هل كنت ستغير خطة علاجك؟ قلت له لا، هل تعرف شيئا حصل لك في غرفة العمليات خارج عن العادة أخبرته كذلك بأن لا، قال لي يا محمد إذا كنت تعرف كيف تتخذ القرار وتقوم بتنفيذه وأنت مؤهل لذلك فاعلم أن المضاعفات تحصل ولو قمت بكل شيء على ما يرام.. طمأنني من ناحية مهاراتي لكن الحزن الذي يعصرني ترك جرحا غائرا لا أظنه يلتئم، شكرت صديقي أحمد وودعته لأتجهز ليوم ثان.

في اليوم التالي زرت مريضي وفحصته لا زال الضعف على ما هو عليه، لم يعد يشعر بالألم وهذه هي الحسنة الوحيدة، أخبرته مرة أخرى أنني أعتقد أنه شيء مؤقت وأنني أترقب أن تعود له الحركة قريبا.

طلبت من أخصائي العلاج الطبيعي متابعة حالته وانطلقت إلى الاستشاري المسؤول عن الحالة.

أخبرته عن فحص المريض لهذا اليوم وكان هو الآخر في حيرة من أمره.

اليوم الثاني بعد العملية كان مايكل يشعر ببعض الوخزات في رجله، وعند الفحص كانت رجله اليمنى أقوى قليلا بقوة الرجل اليسرى، فرحت بهذا التقدم الطفيف مما حداني أن أستبشر له وأخبره أن يستمر بالتمارين.

وهكذا مرت الأيام وخرج مايكل من المستشفى بضعف في قدميه إلى مستشفى التأهيل والعلاج الطبيعي.

كنت على تواصل مع ابنته من خلال الجوال، أرسلت لي بعد أسبوعين فيديو لأبيها وقد بدا الشيب في لحيته وهو يسير بمساعدة المشاية، تأثرت كثيرا، تغير علي وجهه وهزل جسمه لكن كنت فرحا نوعا ما بالتقدم الملحوظ.

انتقلت بعدها من أوتاوا إلى تورونتو، وكان التواصل تقريبا بشكل شبه شهري ثم أصبح كل شهرين يخبرني فيها أنه في تحسن وأنه يشعر بزيادة في الحركة كل يوم لكن لا زال في حاجة إلى مساعدة.

ثم انقطعت الأخبار فلم أعد أسمع عنه شيئا وانشغلت في وظيفتي الجديدة في تورونتو.

في يوم جمعة وأنا راجع للمنزل في تورونتو، فتحت البريد وإذا بكرت دعوة للزواج، مرسل إليّ من قبل كاثي، تدعوني لزواجها الذي سيقام بعد شهرين في مسقط رأسها مدينة ساينت كاثرين.

لم أرد على الدعوة! فكيف أذهب لهذا الزواج وبأي وجه أقابل عائلتها بعد أن حدث ما حدث، بعد شهر من الدعوة جاءني اتصال من كاثي وكانت مصرة أن أحضر للزواج، أخبرتني أن كل الممرضات سيحضرون وأنها مصرة أن آتي. انحرجت وأجبتها بأني سأحاول قدر المستطاع.

كيف سيكون الحال في هذا الزواج؟ هل سأجد الأب مقعدا على كرسي متحرك؟ هل استجاب الله دعائي بأن يكلل هذا المريض بالشفاء التام؟ هذا ما تقرؤونه في المقال الأخير من هذه السلسلة.