ياسر عمر سندي

ثم أتبع سببا

الأربعاء - 29 مارس 2023

Wed - 29 Mar 2023

العلاقة السببية والمعرفة البشرية؛ عندما نستطرد في قراءتنا لسورة الكهف ونصل تدريجيا لسياق الآيات الكريمة بداية من الآية 83؛ حين قال سبحانه وتعالى «ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا».

العلاقة السببية هي أساس المعرفة البشرية «فأتبع سببا.. ثم أتبع سببا.. ثم أتبع سببا ..الآية 93» من خلال هذه الثلاثية التأكيدية من شواهد الآيات القرآنية يتضح من خلالها تتابع الأخذ بالأسباب والإصرار المتلاحق على ذلك ليبين لنا الخالق جل وعلا إلزامية البحث والتحري المستدام للوصول إلى المرام في كل أمر ولكل زمن وبأي موقف للاستفادة الخاصة للذات والعامة للآخرين.

هنالك ما يسمى بالفهم والإدراك المحيط كجانب فلسفي لتبيان مفهوم العلاقات السببية وتعني أن هنالك مسببا ينشأ من خلاله الشرارة الأولى الدافعة إيذانا لما سيتبع ذلك في المحصلة النهائية وهو الأثر الحاصل جراء ذلك المسبب؛ وهو الأساس المعرفي للتطور والتطوير في جميع النواحي الحياتية والتعاملات البشرية التي تجري أمورها في هذا الكون دينيا وعلميا؛ نفسيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وطبيا وتجاريا.

والسببية تعني في مؤداها العام أنه لا يمكن أن يكون هنالك أثر بلا سبب ولا يكون سبب لم يتبعه أثر؛ فإذا سقنا مثالا لتوضيح الفكرة فإن وجود العلوم وتعدد الجامعات والمعاهد والثورات التنموية والفكرية مع وجود استراتيجية بذل الجهد والاجتهاد بالتحضير اللائق والحرص الواثق على اغتنام الفرص وتطويعها سيتسبب ذلك حتما في حدوث الأثر وهو الوعي والتفوق واجتياز الصفوف والتمكن مستقبلا من الظفر بمكانة وفرصة وظيفية واجتماعية مرموقة.

أورد سبحانه وتعالى تحديدا اسم ذي القرنين وبحسب الروايات ومنها رواية ابن عباس أنه ملك يدعى «الصعب بن مراثد» حيث أعطاه الخالق كل أسباب العيش ورزقه التمكين المادي والمعنوي لتولي زمام جميع ما في الأرض فأخذ بهذه الأسباب بعد إرادة الله وقدرته حتى أصبح يتسيد الأرض من مشرقها إلى مغربها وهو الأثر الناتج عن ذلك.

التمكين الرباني مع البذل الإنساني معادلة تختصر معنى الأعمار والاستخلاف في الأرض ولو أمعنا النظر على جميع المخترعات ومختلف الابتكارات وصنوف الإبداعات البشرية لوجدنا أنها ترجع في الأصل إلى اتباع الأسباب وهي أدوات التمكين الظاهرية والباطنية والتي تلاقت مع من يعي أحداث الربط للتحليل والتعليل لظهور النتيجة.

هنالك نواحي قدرية وهنالك مسائل تقديرية؛ الأولى بيد رب البشر بالإجبار وهي المشيئة، والثانية بيد البشر بالاختيار وهو التخطيط؛ وإعمال العقل وليس إهمال العقل من الأدوات المساعدة في البحث والاسترشاد.

«اعقلها وتوكل» منهج نبوي ومدلول صريح بعدم الركون إلى التواكل والتراخي للبحث عن الأسباب التمكينية لنشوء العلاقة السببية لتنمية المعرفة البشرية.

Yos123Omar@