عبدالله مشرف المالكي

شرطي الأخلاق

الأربعاء - 29 مارس 2023

Wed - 29 Mar 2023

بوصلة الأخلاق الداخلية هي ذلك المؤشر الذي يقود حدسك عند غياب الرقابة الخارجية، عندما يكون عليك أن تتخذ قرارا لن يسألك عنه أحد، ولن تخضع بسببه إلى طائلة القانون.

البوصلة الأخلاقية للشخص لا تولد في لحظة، ولا تتكون في ساعة اتخاذ القرار، وإنما تتجمع جزءا بعد جزء من مجموعة القيم والمفاهيم التي يؤمن بها الشخص منذ الطفولة وحتى لحظة القرار الحاسمة.

هذه القيم هي التي تملي علينا داخليا كيفية التمييز بين الصواب والخطأ، إنها الصوت الهامس أحيانا والصارخ أحيانا أخرى بضرورة اتباع المعتقد الراسخ في القلب، حتى وإن خالف جمهور الآراء من حوله.

إذا كنت ممن يفتقرون إلى ذلك الهامس الداخلي، فتجد نفسك مندفعا إلى مجاراة من حولك، والتماهي مع كل تصرفاتهم، رغم أن كثيرا منهم يختلفون عنك في التنشئة، وأسلوب الحياة، وأصول التربية والتعليم، فربما قد حان الوقت لتبحث عن بوصلتك الداخلية التي تقودك إلى ما عليك فعله، وما عليك تركه.

يحتاج الأمر منك إلى التوقف لتجمع شتات نفسك، لتتذكر من أنت، وكيف أصبحت ما أنت عليه الآن، يجب أن تتذكر جميع القيم الحميدة التي حرصت عائلتك على غرسها فيك صغيرا، وجميع المعاني الأخلاقية التي رسخها في قلبك المعلمون، وكل الفضائل التي كنت تميز بينها وبين الرذائل بسهولة في مرحلة البراءة والفطرة.

إذا كنت تشعر بالاغتراب عن هذه المرحلة من حياتك التي استطعت فيها التعرف على الخير من الشر، أو اللائق من غير اللائق، أو الصحيح والخطأ، فلم لا تنشط ذهنك وقلبك بالعودة إلى أصل هذه القيم، وإعادة اكتشافها من جديد؟

استعادة البوصلة الأخلاقية وتفعيلها مرة أخرى ليس عملية صعبة أو مستحيلة، لكنها قد تكون عملية مؤلمة، فسوف يتعين عليك – عندئذ – أن تواجه نفسك بالمرات التي ملت فيها عن الجادة استجابة لهوى أو كراهية لشخص، أو حتى بسبب الأنانية المفرطة، سيكون عليك في اللحظة التي يعاود فيها مؤشر البوصلة الحياة أن تصبح إنسانا مختلفا لديه دليله الخاص عما يجب وعما لا يجب.

ستكون بوصلتك الأخلاقية رقيبا صارما، لكنها ستجعلك شخصا أحسن، فأنت لن تحتاج إلى شرطي مرور لتلتزم بتعليمات السلامة، ولن تحتاج إلى كاميرا مراقبة لترتدع عن أخذ ما ليس لك، ولن تحتاج إلى قانون فعال لتكف عن أذية الناس، ففي داخلك قوانينك الخاصة، وشرطي الأخلاق الذي يعمل على مدار الساعة دون كلل أو ملل.

عندما تعثر على بوصلة أخلاقك، ستكون إنسانا أفضل.