حسين باصي

كيف نصبح «نزيها»؟

الاثنين - 27 مارس 2023

Mon - 27 Mar 2023

نواجه في حياتنا عدة تحديات تضعنا على المحك. هذه التحديات أشبه ما تكون اختبارا أو امتحانا لنا ونحن تحت تلك الظروف الصعبة.

أذكر أنني قابلت شخصا في بلاد الابتعاث عندما كنت أدرس الدكتوراه، هذا الشخص علمني أن لغة الحوار أجدى من لغة العنف على عدة أصعدة، كان يقول لي بأنني سأواجه عددا من الأمريكان ليجادلوني في الإسلام ومفاهيمه ومقارنته بالأديان الأخرى، لا أذكر إن كان صديقنا هذا يعلم أنني مطلع على هذه المسائل ولي تجارب فيها، ولكنني وجدت نصيحته كانت هي النصيحة الذهبية.

كان هناك زميل مقرب لي من الجنسية الأمريكية وكان مسيحيا متدينا، كان دائما ما يسألني عن عدة مواضيع في الإسلام، ويتفاجأ بأنني أتحاور معه بطريقة تشير إلى التقارب عوضا عن التفارق كما علمني صديقنا صاحب النصيحة الذهبية، مارست في هذه النصيحة مبدأ الآية الكريمة «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» وهذا قمة النزاهة.

في تجاربي الأخرى في الحياة وجدت الناس منقسمين على أصناف مختلفة حينما يستقبلون المدح ويكون الحديث عنهم تجليلا. فمنهم من يخجل والآخر يصيبه الكبر، وذاك يقاطع المتحدث ليطلب منه التوقف عن مدحه، والمضحك أن يستكمل هو نفسه بعد ذلك في مدح نفسه وهكذا. قابلت شخصا يستقبل مدح الناس له بشكل أثار إعجابي، وجدت تصرفه مكونا من مجموعة من الأخلاق، وجدت فيه التواضع بالتزام الصمت، ووجدت فيه الحرص على أن يكون المدح بالمقدار الصحيح بما يستحقه دون زيادة، ووجدته مثقلا من خلال لغة جسده بطريقة يكاد يقول فيها (إن شاء الله أكون بهذا الوصف الجميل). علمني هذا الشخص أن أستقبل المدح بنفس تلك النزاهة من التواضع والتأكد بأن الوصف صادق بلا تزييف أو زيادة.

قابلت مرة شخصا يحمل درجة الدكتوراه، ذلك يعني أن نجده يستسلم للضغط الاجتماعي بأن يستأجر أو يمتلك بيتا في أرقى الأحياء، طبعا البيت لا يكفي ويحتاج أيضا عدة سيارات فارهة وعددا من الخدم كي يرتقي وضعه الاجتماعي لحرف (الدال). في حقيقة الأمر وجدته بالنزاهة التي تكسيه بتواضع كبير، ووضع كل ذلك وراء ظهره بطريقة تجعل نزاهة التواضع لديه ممزوجة بنزاهة الرجل البراغماتي، بل إن هذا الدكتور ألف عدة كتب منها كتب تقنية تعتبر من المراجع في بعض الجامعات، ولديه عدد رائع من الأبحاث وبراءات الاختراع، ورغم ذلك يظل كما هو بلا تكبر ولا خيلاء.

قابلت مرة شخصا قضى زمنا طويلا في تخصصه العلمي، كان يحب هذا التخصص بشدة وعندما يكون الحديث عن هذا التخصص غالبا ما نجد اسمه يجول في سماء هذا الحوار، وجدت في هذا الشخص نزاهة طلب وتقديم العلم. في يوم ما وجدته انضم في العمل إلى جهة مختلفة عن تخصصه ولكنها ذات فائدة كبيرة لأبناء وطننا الغالي، سألته عما إن كانت هذه الخطوة مناسبة لأن هذا العمل قد يضعف تميزه في تخصصه العلمي بسبب البعد والانشغال فيما هو بعيد عن تخصصه، حينها وجدت في عينيه إجابة تقول (كلامك صحيح ولكن هذا ما أحببت وأحب عمله). أجد هنا درسا كبيرا في نزاهة الإيثار وتقديم الخير.

عزيزي القارئ جميع هذه القصص وهؤلاء الأشخاص الذين ذكرتهم هنا هي في الحقيقة وصف لمواقف بيني وبين رجل واحد اسمه على مسمى، وهو الدكتور نزيه شجاع العثماني. هذا الرجل الذي طالما تعلمت منه الكثير حتى توفاه الله قبل عدة أيام. عمل هذا الرجل مؤخرا مع مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع (موهبة) وقدم لي إجابة على سؤالي عندما وجدته، وبكل حماس الأب لأبنائه، يدعمهم في التدريب والتوجيه في المونديالات العالمية في علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء والهندسة وغيرها، وكنا نحقق الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية.

لقد ختم الله عمر هذا الرجل في عمل ما يحب لدفع الآخرين للأمام ورفع راية بلادنا الحبيبة بين الدول الأخرى في العلوم الطبيعية والإنسانية. رحمك الله يا نزيه وأتمنى أن نكون كلنا نزيه.

HUSSAINBASSI@