عبدالحليم البراك

قواعد العيش السليم

الاثنين - 27 مارس 2023

Mon - 27 Mar 2023

المؤكد أننا غير راضين كل الرضا عن كل لحظة تمر علينا في حياتنا، سواء رضانا عن مستوانا المالي، أو رضانا على أعمالنا أو أرزاقنا أو حتى أوضاعنا الاجتماعية، بما في ذلك بعض الأشياء الصغيرة التي تحدث لنا في يومنا وتتكفل بإفساد يومنا كله، أو بإفساد أمزجتنا لمدة طويلة برغم أن الحدث أقصر بكثير من المدة التي استغرقها ما يؤذينا، فحادث سيارة لم يستغرق إلا ساعة ربما يكلفك في جهدك وحزنك وقلقك وألمك ساعات بل أيام، فهل ثمة من قواعد تعلمنا كيف نعيش بأقل حزن ممكن، بأقل ألم يمكن أن يحدث، بأقل مدة للقلق نجعله يسيطر علينا؟.

لعل أول قاعدة تقول: إن كل ما يعكر صفونا هو مرض، وهذا المرض حادث لا محالة، وواقعيا نحن مجبرون على تقبلها، ولذلك علينا التعايش معها، مثل المريض ذي المرض المزمن، يقال له بدلا من الجزع؛ عليك أن تتعايش مع المرض وكأنه جزء منك –وهو كذلك– حتى تعرف أن حزنك لا قيمة له، فافرح، وإن اقتنعنا أن ما يؤذينا في حياتنا هو المرض بعينه وأن علينا أن نعيش المرض ونتعايش معه وبجواره وكما لو كان جزءا من حياتنا فإن هذا بالتأكيد سيقلل من التفاتنا إليه، ألم تر مريضا من ذوي الأمراض المزمنة، والذي كان يباري حياته منذ زمن طويل، يتجرع عدة حبوب دفعة واحدة لعلاج أمراضه، يفعلها بلا تبرم وقد تأقلم على هذا الفعل بينما عيناك مرفوعتان دهشة، كل ما هناك أنه تأقلم وتعايش مع ألمه وتعامل مع الأدوية كما لو أنها شربة ماء أو أنها غير موجودة أصلا و بناء عليه؛ فعليك أن تتجاهل (بالتمرين المستمر) كل ما يحزنك، وعليك أن تتعايش معه حتى تشعر بأنه شربة الماء العابرة التي تفعلها بشكل روتيني أو كما لو أنها غير موجودة أصلا.

في البدء يعتبر الصبر أمرا مؤلما لكن الصبر في بدايته يكون كذلك، وبعدها يصبح الصبر تمرينا كبيرا لتمرير كل ما يحزنك بلا ألم وحتى بلا شعور يذكر، فالذي تصيبه الآلام لأول مرة يجزع، فإن صبر صارت الآلام بفضل الصبر أمرا منسيا، وإلا في كل مرة يحتاج «صبرا جديدا مصطنعا» ليستحضر الصبر نفسه ويتمرن عليه من جديد وكأنه لم يحدث، (الصبر تمرين على الصبر).

«لا يمكن إيقاف المطر» هذه العبارة التي تنص على أن معظم ما يحدث لنا ويحزننا لا يد لنا فيها، فالفقر والمرض وغيرهما لا يد لنا فيه، فلن توقف الفقر والمرض والأشياء المحزنة كالمطر تماما الذي لا يمكنك إيقافه، مثل الرجل الذي يريد أن يخرج من بيته ثم يراها تمطر بغزارة لدرجة الخطر عليه، فيضطر لتحمل الضرر (لأنه لا يمكنه إيقافه) ويكمل مسيرة حياته نحو العمل فلا يوقف العمل لا مطر ولا حر ولا رياح لأن الحياة يجب أن تستمر، ولذلك يمكنك أن تعيش بالطريقة الآتية، ما لا أستطيع تغييره لن أحزن منه وألمي منه هو بسبب تركيزي عليه، سأتجاهله فهو لا يستحق أكثر من التجاهل والنسيان، وبناء عليه سأستمر! (يحدث هذا بفضل التمرين المستمر).

يعتبر عنصر «الفهم والتفهم للحياة» أكبر عنصر يمكنك أن تتقبل من خلاله كل مصائب الدنيا، ويمكنك أن تكون في حالة سليمة إن فهمت وتفهمت هذه الحالة، والمعنى من الحياة، وعطفا على الكاتب الروسي الكبير ديستوفيسكي الذي يقول: «علينا أن نكون جديرين بآلامنا» وهذا يعني أن نتفهم حدوثها لنا فنصبح أكبر من الألم نفسه، فعندما تتفهم أن ثمة أناس متنمرون بطبعهم، فمن المؤكد أن أكون ضحية لأحدهم يوما ما، وعندما أجد شخصا أنانيا ذا فهم أحادي لا يفكر إلا في نفسه فطبيعي أن يصادف أن تتضارب مصالحي مع مصالحه يوما ما، فهذا يدعوني أن أزيد من مهاراتي في تجنب هذه الإشكالات لا أن أتذمر من حدوثها أصلا، وإن كان ثمة مرض أصابني أو أصاب أحد عائلتي فلأنني وقعت ضمن النسبة المحتملة للمرض، ووقع علي الأمر دون غيري، إنني أتفهم كل شيء، وهذا لا يعني قبولي له عدم مقاومته، بل أتفهم حدوثه وهذا يقلل توتري. (والتفهم تمرين لطيف هو الآخر).

وأخيرا.. عالج نفسك بنفسك لتحصل على عيش سليم، فإن أهملت نفسك وروحك كنت كمثل من يهمل يده المكلومة المجروحة وهي تثعب دما، فدائما ومع كل حدث عندما يصيبك أمر ما عالج نفسك بسرعة برفع معنوياتها وتفهمها للحياة وأعدها للسعادة والفرح بأسرع وقت ممكن، فلا يمكن لإهمال جرح ما إلا أن يزيد من آلامه (مارس تمرينا كبيرا هو: عالج نفسك بنفسك).

Halemalbaarrak@