نمر السحيمي

لماذا انحرف (الملحد في الظاهر)؟

الاثنين - 27 مارس 2023

Mon - 27 Mar 2023

أسس الإسلام التي يعتقدها مجتمعك، وتتوارثها بيئتك؛ موجودة في فكرك، ويؤمن بها عقلك، وتعمل على تطبيقاتها في واقعك؛ إذا كانت هذه هي مختصر حياتك فكيف ترضي الحصان الذي يصهل في داخلك ليخرج من ذاتك بشخص مختلف؟

أمامك لتحقيق ذلك طريقان:

الأول: طريق واقعي؛ تعمل فيه وتجتهد؛ لتصل من خلاله إلى دائرة الإبداع؛ التي ستجعلك مختلفا عن غيرك؛ وقد سلك هذا الطريق مبدعو البشرية وفي مقدمتهم الأنبياء والرسل والعلماء.

الثاني: طريق وهمي، لا اجتهاد فيه، يكون فيه العقل مفرط الذكاء، لكنه يعيش في واقع لا يدعم مستوى عمل العقل، الأمر الذي جعل العقل يتمرد على واقعه من خلال مجالين:

المجال الأول: احتراف الأدب والشعر كعمل يغري العقل، ويرضي طموحه، ويشغله عن الانحراف، فيبقى العقل في محيطه دون الوصول لدرجة الانحراف، بعد تحقق الاختلاف بينه وبين الآخرين، كاختلاف المتنبي عن غيره.

المجال الثاني: المساس بثوابت الدين، وهو ميدان الاعتقاد المقدس المتفق على أن أي مساس بأسسه وأصوله وأركانه يعد مساسا يخلق الاختلاف؛ يأتي ذلك حينما تفقد إمكانيات المجال الأول، وفي هذا المجال يجنح العقل حين يريد الاختلاف إلى المساس بالذات الإلهية والاعتقاد والثوابت الشرعية الموقوفة لدى الآخرين؛ مع تمسك العقل في الباطن بما يعتقده ويختزنه عقله من معرفة فطرية ومكتسبه حصل عليها من بيئته، وهو ما قام به (الملحدون في الظاهر)؛ والملحدون في الظاهر هم من تجاوزت عقولهم إلى المساس بالذات الإلهية وأنبيائها ورسلها والثوابت العقدية والشرعية التي جاؤوا بها هؤلاء الأنبياء والرسل ليبلغوها كرسالة من الله لجميع خلقه.

لقد تجاوزت عقول (الملحدين في الظاهر) ما يؤمنون به استجابة لفرط عمل هذه العقول كرغبة في الاختلاف الذي يصهل من داخلهم، فأعلنوا التمرد على خارطة الطريق الإنسانية الحقيقية التي جاء بها الأنبياء والرسل للوصول بالبشر إلى نهاية الرحلة الدنيوية بسلام.

إن التمرد الفكري على ثوابت الدين الإسلامي الوسطي من داخل دائرته هو انفصام في شخصية (الملحد في الظاهر)، حيث يحاول أن يخرج بهذا التمرد وفي داخله أن العودة لدائرة الإسلام الوسطي هي عودة سهلة متى ما رغب؛ إذا تحقق له ما أراد من اختلاف عن الآخرين، وأراد العودة؛ ولو كانت بينه وبين الله دون أن تعلن منه للآخرين.

ولقد تسبب (الملحدون في الظاهر) بالكثير من الجدل حين إعلان تمردهم منذ نشأة الصحافة العربية كمصدر عرف الناس من خلاله هذا التمرد بشكل جماهيري، وبقى بعض هؤلاء لغزا لم يتم التعرف عليه ولم تستطع الدراسات والأبحاث العلمية الوصول إلى ماهية شخصيته، بينما هو يؤمن أنه وصل لما يريد من اختلاف عن الآخرين، وبقي له ما يؤمن به وسيحاسب عليه في نهاية الرحلة.

ننظر مثلا لوصف أحد الباحثين لأحد (الملحدين في الظاهر) حينما قال «حالته عصية على الفهم، لكون إلحاده كان نوعا من الصراخ والعويل، ولم يكن فكرا واضحا وناضجا يمنح من مدارس ومناهج فلسفية معروفة ولا بد من معرفة الأسباب الغائرة والبواعث الكامنة وراء وصوله إلى هذه المرحلة المتطرفة من العدمية والعبثية واللا أدرية، وكثير من مشايخنا يعزو إلحاده إلى الكبر والتعالي الذي كان يظهر في ثنايا السطور التي يكتبها، والذي كانت تعرف به شخصيته، وفي تطاوله واحتقاره لخصومه مع اعتزاز مفرط بذكائه وجودة فهمه».

بقي أن أؤكد أن (الملحدين في الظاهر) حينما وصلوا إلى درجة الاختلاف التي رغبوها لأنفسهم تحقيقا لانحراف عقولهم استفادوا من الوصول لدرجة الاختلاف بالتأثير على الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية في مجتمعاتنا العربية، وكان مرحبا بالنماذج التي ظهرت في الأوساط الأدبية والسياسية فقط لأنها نماذج مختلفة دون أن يؤمن أحد من تلك الأوساط بسلامة تلك العقول أو الاقتناع بحجية ما تستند عليه، يختصر ذلك قول المتنبي:

أنام ملء جفوني عن شواردها

ويسهر الخلق جراها ويختصم

وهذا هو الاختلاف والتفرد الذي يميز العقول؛ لو سلمت هذه العقول من الاختلاف المذموم ظاهرا وباطنا؛ المسيء لثوابت الإسلام الوسطي الذي قال عنه الله جل وعلا (إن الدين عند الله الإسلام).

alsuhaimi_ksa@