شاهر النهاري

كُتاب الرأي والمؤسسات الحكومية

الاثنين - 27 مارس 2023

Mon - 27 Mar 2023

قبل ما يقارب عقدا من الزمان كان لكاتب الرأي في الصحف قيمة وطنية وأهمية، باعتبار أنه جزء من المنظومة الإصلاحية لجميع أعمال المؤسسات والوزارات، وكونه عين شفافية متوسطة بين إنسان المجتمعات، وبين ما يقدم له من خدمات حكومية، وما يعترض سبيله من معاناة ومعضلات، حيث يقوم الكاتب بإشهار ذلك، بعد دراسته، وتبيان مناطق الخلل إن وجدت، وبالتالي تنبيه الجهات المعنية الأعلى سعيا للمعالجة والتعديل.

وكان الوزراء وكبار المسؤولين حينها يهتمون بما ينشر، ويدرسونه من جهتهم، وكما يتم طرح مقال على جدول أعمال الوزارة، ليتم بعدها حل المعضلة التي ناقشها المقال، وربما يقوم الوزير بشكر الكاتب، على أن سهل عليه وصول المعلومة، بين تشعب وتباعد مناطق مسؤوليات وزارته وطموحه لتحسينها، وكل ذلك ضمن منظومة وطنية تعمل لصالح الوطن والمواطن.

غير أن الأمور تغيرت، وقيمة الكاتب لم تعد اليوم كالأمس، بوجود بهرجة وغوغاء مواقع التواصل، ومع تعيين الناطقين الرسميين للوزارات والمؤسسات سحرة ينفثون لسد الفُرج وإظهار اللمعة.

وحاليا يتم تصنيف الكاتب إما مداح، وهذا يتم التواصل معه، وشكره، ويتم إعلامه بما قاله الوزير عن مقاله، وكيف تم نشره في موقع الوزارة الرسمي، مذيلا بثناء على المسؤولين والموظفين.

وربما يتم دعوة المداح لمكتب أحد كبار المسؤولين، وتقديم الشكر له بين عدد من كبار المصفقين، وربما تكريمه بهدية، أو درع، أو شهادة.

أما النوع الثاني من الكُتاب، فهو ذلك الذي يبحث عن الخلل، وينتقد أي عمل في الوزارة لا يفي بالغرض منه، ومثل هذا الكاتب يعامل بالتهميش والنسيان، مهما كان مقاله صادقا ساعيا للإصلاح.

مقالات الكاتب الناقد يتم حجبها عن كبار المسؤولين في الوزارة، وتتم المسارعة بتدشين مبادرة، ودعوة مشاهير التواصل لامتداح أعمال المؤسسة وتلميعها، تلك التي قام الكاتب بانتقادها، وبإعلانات مدفوعة الأجر مروجة، حتى يتم مسح انتقاد هذا الكاتب المتمرد!

إعلان بسيط، يمكن أن يغطي ظاهريا أي خلل، وأن يديم الحال المائل، دون نية صافية من المعنيين لإصلاح الخطأ إن وجد، أو الرد على الكاتب لتبيان تسرعه في الحكم.

الكثير من الكتاب عرفوا الفرق بين أن تكون ناقدا، أو أن تصبح مداحا، فقلدوا مشاهير البريق، ودعاياتهم على مواقع التواصل، ولم يعودوا ينتقدون، حتى لو شاهدوا بأعينهم أحوال من يعانون، وحتى لو اشتكى لهم طوب الأرض!

الكاتب الأصيل جزء من منظومة المتابعة والمراقبة الوطنية، ولا بأس من إشادته بالعمل المتوازن، والمديح لأداء يستحق، إنما الغرض الرئيس من وجوده، هو إيصال أصوات الأفراد والمجتمعات، ومعاناتهم، وتبيان ما يتمنون حصوله من مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية، فيكون سفيرا لهم، يتمكن بمقالاته من توصيف أحمالهم، والمطالبة بتخفيف معاناتهم، ورفع الصوت ليبلغ أسماع أعلى المناصب، ولا ننسى أن الملك سلمان - حفظه الله -، حينما كان أميرا لمدينة الرياض، لم يكن يغفل الكُتاب وآراءهم، وكان يتواصل معهم، ويحث المسؤولين على القيام باللازم، وكم من مرة قام بالرد على مقالات الرأي بنفسه وأجاب عن تساؤلاتهم، بتواصل حميد، وميزة تقدير السلطة لأهمية الفكر المتطلع للأفضل، واحترام الرأي الآخر، في منظومة وعي وطنية تشاركية تسعى لبلوغ الأداء الحكومي الأكثر تمكنا وتقاربا وكمالا.

shaheralnahari@