سارة مطر

مسلسل الساعة السابعة

السبت - 25 مارس 2023

Sat - 25 Mar 2023

أنهى والدي دراسته في مصر، ومن خلال ذلك اعتدنا نحن الأسرة أن يكون المسلسل المصري جزءا من حياتنا، حتى حينما أخذت الكورس في السيناريو في مصر لعام 2018 كان الجميع يستغرب من أني أفهم اللهجة المصرية بطلاقة، وكان هذا الشيء يسعدني جدا.

الشعب المصري شعب طيب للغاية، بعيدا عن القضايا التي تحدث في كل مرة، إلا أنني رغم ذلك لم أجد شعبا طيبا مثل الشعب المصري. وفي العادة كان الأب الذي يلبس بجاما مخططة والأم التي تركض هنا وهناك لتساعد أبناءها في الاستيقاظ من النوم، وتحضير الإفطار لهم، كنت دائما أقول إن والدي وأمي هما أطيب بشر رأتهما عيناي، حتى أنني في المدرسة كانت الطالبات يسألنني ذلك السؤال المعتاد من هو أطيب والدك أم والدتك؟ فكنت أهيم بعيدا وأنا أنظر لزميلاتي في المدرسة، هل سوف يصدقونني حينما أخبرهن أنني لم أجد أطيب لا ولا أحن ولا أرق من هذين، إنني أعتبرهما ملكين قد وهبني الله إياهما، رحمة الله على والدي الذي مات بالزهايمر، وكنت سعيدة أني قضيت معه ما بين المستشفى والبيت عاما كاملا، لكني لم أكن أتوقع أن ينتقل إلى رحمة الله بهذه السرعة بعد إصابته بمرض الزهايمر، فقد كان عمي الذي يصغره بالعمر كثيرا، قد عاش ما يقرب من العشرة أعوام، كنت أتوقع أن يعيش أكثر حتى بعد إصابته، لكنه بدأ يتغير وبدأ المرض يأكله، وفقد ذاكرته بشكل كامل، ولم يعد يعرف أين هو وحتى اسمي لم يكن يتذكره، ولأول مرة أرى والدي عصبي المزاج، ولا يتذكر حتى أبناءه أو بيته، وكان يقبل يدي -يرحمه الله- ويطلب مني أن آخذه إلى بيتي، وكان هذا الأمر يدمرني؛ لأن والدي كان قد بنى بيتنا الجديد طوبة طوبة، وكنت أشعر بالأسى والألم أنه لا يتذكر كيف استطاع أن يصنع هذا البيت الكبير الجميل.

رغم أنني عشت معه عاما كاملا حتى قبل وفاته بساعات، جئت لزيارته في الساعة الرابعة بعد أن أنهيت عملي، وجلست معه حتى الساعة السابعة، بعد أن أخبرتني الممرضة أنه سوف يخرج من المستشفى في الغد.

وفي الساعة الثانية أخبرني ممرض والدي المساعد الذي كنا ندفع قيمة عمله، أن والدي لم يعد يتحرك، وعلمت بذلك أنه يقصد أنه مات –رحمه الله رحمة واسعة– كانت وفاته في شهر مارس، وكان المطر يسقط دون توقف، وكانت دموعي تمطر أكثر من السماء، وكنت أسترجع كلام الطالبات من هو أطيب والدك أم أمك؟

كانت إجابتي طبعا هما الاثنان، أجابتني إحداهن: يستحيل أن يكون كذلك، لابد أن يكون أحدهما قاسيا! كنت أستغرب كيف يكون الأب أو الأم قاسيين، لم أكن لأصدق ذلك، لم أسمع والدي يصرخ أو يضرب كان رجلا حكيما، رقيقا، وكانت لديه شركة، ويستقبل موظفيه من الجنسية الآسيوية بالأحضان، فكيف لي أن أكذب وأقول إنه قاس وهو ليس كذلك. أما أمي فكانت نموذجا مختلفا، أمي تحاول إرضاء الجميع بكل ما أوتيت من قوة، كما أني لا أتذكر والدي ولو لمرة واحدة كان قاسيا أو حتى يرفع صوته، كنت أذاكر بعد الغداء، وأرتاح قليلا، وبعدها نجتمع لنشاهد مسلسل الساعة السابعة الذي يأتي على قناة البحرين، وبعدها نشاهد مسلسلا آخر في تلفزيون قطر، وكنا نتكلم ونتضاحك، ولا أحد من والدي يسألني عن المذاكرة، فقد كنت الأولى أو الثانية على الفصل على الدوام.

أعود وأقول لولا هذا الحنان الباذخ لم أصل إلى ما وصلت إليه.

وحتى هذه اللحظة لا يمكن أن أسأل أبناء إخوتي وأخواتي، من هو الأفضل بالنسبة لك والدك أم والدتك؟ لأنني في الحقيقة لا أنتظر الإجابة، فقد اكتفيت بحب والدي وأمي.