رحمة القرشي

واقع البحوث النقدية والأدبية

السبت - 25 مارس 2023

Sat - 25 Mar 2023

لقد طرح أحد الأساتذة سؤالا: (ما هي رؤيتك في بحوث النقد والأدب؟)، وطلب الإجابة عنه بإيجاز، وعلى غير عادتي أطلت الحديث؛ بسبب أهمية الموضوع وجديته، وأخرجت ما قرح معدة النقد والأدب، وصغت تأملاتي علها تجد باحثا يتلقفها، أو ناقدا مهموما بالدرس النقدي، أو حتى مصفقا.

إن المتأمل للدراسات النقدية في عصرنا، يبهره كمية الإنتاج والنتاج، النقدي والفكري، والترجمة للنظريات الغربية، ومع كل ما أنتج، ما زال في الدرس العربي -بحسب ما اطلعت- قصور في المنتج المحلي والمستورد، وأقسم تأملاتي في الدراسات النقدية والأدبية إلى محورين: المحور الأول: الإنتاج المحلي بين الابتكار والتقليد، والمحور الثاني: الدرس النقدي المستورد بين الإضافة التشتت.

المحور الأول: الإنتاج المحلي بين الابتكار/ التقليد:

إن التأليف العربي يعيش لحظة ازدهار وتطور، وكثرة ووفرة، وهذا عصر ذهبي أشبهه بالعصر العباسي، الذي أنتج عقولا وأفكارا وآراء، لقد تعددت دور النشر، وظهر حراك نقدي، وعقدت مؤتمرات، وحلقات بحث، تناقش ما جد في الأبحاث الأدبية.

لقد اتسع البحث النقدي والأدبي، ونشأ بحث في نص الكاتب، وموت الكاتب، ونص القارئ، وموت القارئ، ونص الواقع، وحدث جدل لم ينته في الحقل النقدي، بين باعث للكاتب، وباعث للنص، وباعث للقارئ، عبر منظومة نقدية استأثرت باهتمام الباحثين، ووزعت جهودهم النظرية، وكونت صراعات ما زال أفراد كل صنف، يفندون آراء الصنف الآخر، فهناك صنف يهتم بدارسة كل ما يحيط بالنص (سياقه، بيئته، مؤلفه)، وصنف ثان اكتفى بالنظر إلى (البنى الداخلية) وصنف ثالث (انتقل إلى القارئ)، وجعله عمدة النص، وخلف التنظير أكداسا مكدسة من الآراء النظرية والتطبيقية، وتراكمت الدراسات، إذ بدأت ابتكارا وغدت تقليدا خاليا من الابتكار، فشهد الدرس النقدي تكدسا، خاليا من التجديد إلا ما ندر.

وهناك دراسات تأثر روادها بتعاليم الفلسفة، وأصولها وقوانينها، يعقدون الجلسات تلو الجلسات في الواقع الافتراضي والواقعي، وتتميز كتابات هؤلاء بالعمق المعرفي، والتجديد والابتكار في الموضوعات النقدية.

المحور الثاني: الدرس النقدي المستورد بين الإضافة/ التشتت:

لقد قدمت الدراسات الغربية إضافات كثيرة للدرس العربي، وتعد أحد الروافد النقدية التي قامت على أساسها دراسات نقدية، واستمدت منها أداة من أدوات التحليل، فالمنهج الغربي قادر على تفكيك النص، وبعثه بجسد جديد.

والمتأمل للمترجمات يجد وعورة في النقل، أو سوءا في الفهم؛ فالمترجم يطوف على الفكرة طوافا، يبعد عنها حينا ويقترب حينا آخر، والقارئ للكتب النقدية المترجمة، يقرأ فيها وكأنه نحاتا، يلهث في إيجاد المعلومة، فيخرج بأفكار لا تستحق كل هذا العناء، والتنظير والرصف، والوصف.

أما مضمون ما قدمته الكتب النقدية المترجمة، من مناهج ونظريات، وأفكار وآراء، بعضها تسلط على النص العربي تسلطا، وحدث في بعض الدراسات ليٌّ لأعناق النصوص، بما يتوافق مع المنهج المستورد، والمنهج لا يستطيع أن يتخلص من ثقافته الأم، ووجوده الأول، والنص الذي قيس عليه، ولن يسافر إلى جغرافيا أخرى إلا وهو متدرع بثقافة جغرافيته التي نشأ وترعرع فيها.

إن الذي يبرر هذه الهيمنة الغربية، والانجراف لهذه الأفكار أن بعض الثقافات تقدم في لحظات ازدهارها رؤى ومفاهيم وأفكار، تبهر الباحث وتجرفه لها جرفا، ولن يصمد منها إلا ما ناسب الدرس العربي وثقافته.

ختاما، لقد شهد النقد العربي تطورا ملحوظا، وألف النقاد في كل جنس أدبي، فحتى الأجناس التي لم تأخذ نصيبها من الدرس، احتفى فيها النقد، وتميزت بعض البحوث بالأصالة، والتفرد في الطرح، وظهرت دراسات منهجية، تستمد من التراث العربي مادتها، إذ تعود للتراث بأفكار وأسئلة جديدة، لتكون مادة من الدرس العربي، تناسب الخطابات الأدبية العربية.