ماجد التميمي

هل مؤشر «ترتيب» لأداء المدارس أم للمستوى المعيشي لطلاب المدرسة؟

السبت - 25 مارس 2023

Sat - 25 Mar 2023

أعلنت هيئة تقويم التعليم والتدريب نتائج مؤشر ترتيب للمدارس بعد إعادة تحديث المؤشر بإضافة عدد من المزايا. وتهدف الهيئة كما ذكرت في موقعها من هذا المؤشر إلى تحفيز التنافس بين إدارات ومكاتب التعليم والمدارس في تجويد المخرجات وتحسين الأداء في اختبارات القدرات والتحصيلي، ومساعدة الطلاب وأولياء أمورهم في تحديد المدارس المناسبة لهم. واعتمدت الهيئة في ترتيب المدارس على متوسط درجات الطلاب في اختبارات القدرات والتحصيل في السنوات الثلاث الأخيرة.

ويتضح من خلال الهدف من هذا المؤشر أن ترتيب المدارس هو انعكاس لمستويات أداء منسوبي المدارس أو مكاتب التعليم، وبالشفافية في طرح متوسطات درجات الطلاب في اختبارات القدرات والتحصيل سيحفز إدارات ومكاتب التعليم لتحسين أدائهم والمنافسة على التقدم في مؤشر ترتيب وهذا يكون صحيحا في حالة كون درجات الطلاب انعكاسا لمستويات أداء العاملين داخل المدرسة فقط.

في إجراء مشابه، تنشر منظمة College Board غير الربحية سنويا متوسط درجات الطلاب في الولايات المتحدة الأمريكية في اختبار SAT وهو اختبار معياري لطلاب المرحلة الثانوية. في عام 2019 كان متوسط درجات الطلاب 1059. لكن عند النظر للمتوسطات بشكل تفصيلي من قبل College Board بناء على تعددية الطلاب يتضح أن هذا المتوسط ليس ممثلا لجميع مجموعات الطلاب، فعلى سبيل المثال الطلاب المنتمين لأسر دخلها السنوي أقل من 20000 دولار يقل متوسط درجاتهم بـ 300 نقطة عن زملائهم المنتمين لأسر دخلها السنوي يفوق الـ 200000 دولار.

وقد وجدت دراسة تحليلية أن 45% من الفروقات بين متوسطات مكاتب التعليم و41% من الفروقات بين متوسطات المدارس يعزى للفروقات في المستوى الاقتصادي والاجتماعي لطلاب هذه المكاتب والمدارس. وهناك دراسات أخرى أكدت على عوامل أخرى مؤثرة على درجات الطلاب في الاختبارات المعيارية وهي خارجة عن سيطرة المدرسة مثل جنس الطلاب، المستوى التعليمي والاقتصادي للحي، تعليم الوالدين.

بمراجعة بسيطة لترتيب المدارس الثانوية بإدارة تعليم الرياض في مؤشر ترتيب، يلاحظ بإمكانية وجود تأثير لنفس العوامل المؤثرة على متوسط درجات الطلاب في الاختبارات المعيارية بالولايات المتحدة الأمريكية على ترتيب المدارس. فعلى سبيل المثال أول 25 مدرسة في ترتيب اختبار القدرات العلمي هي من المدارس الأهلية عالية الرسوم التي قد لا يلتحق بها إلا الطلاب المنتمون لأسر ذات الدخل العالي أو الفوق متوسط.

أيضا يلاحظ أن آخر 25 مدرسة في ترتيب اختبار القدرات العلمي هي من مدارس أحياء جنوب وغرب الرياض أو المحافظات القريبة من الرياض التي يسكن بها عدد أكبر من الأسر الأقل دخلا وربما مستوى تعليمي مقارنة بسكان شمال الرياض. هذا خلاف وجود تأثير لنوعية مدخلات المدرسة من ناحية وجود منح خاصة للطلاب الموهوبين في المدارس الحاصلة على ترتيب متقدم، فأربع مدارس من أفضل 10 مدارس في الترتيب هي من المدارس التي لها شراكة مع مؤسسة موهبة وتستقطب طلاب مؤسسة الملك عبدالعزيز للموهبة.

فإبراز مكاتب التعليم والمدارس الحاصلة على ترتيب متقدم في مؤشر ترتيب من دون التأكد من علاقة المؤشر بمستويات الأداء للعاملين بالمدرسة ومن دون ضبط العوامل الأخرى المؤثرة بدرجات الطلاب وخارجة عن سيطرة المدرسة قد ينعكس سلبا على التعليم بدلا من أن يعزز الممارسات التعليمية الإيجابية على تعليم الطلاب. فمثلا المدارس التي حصلت على ترتيب عال بسبب نوعية الطلاب المسجلين فيها وليس بسبب الأداء التعليمي لمنسوبيها قد تظن من خلال هذه البيانات أن أداءهم مميز وهو ما أثر على تحصيل طلابهم في الاختبارات المعيارية وتستمر على نفس الممارسات من دون تحسين ممارسات التعليمية التي لو تم تحسينها قد يزيد من التحصيل العلمي لطلابها بشكل كبير وذلك عندما يقترن مع الدعم الكبير الذي يجده طلاب المدرسة من مجتمعهم المحيط ومع مهارات طلابهم العقلية المتميزة التي يتمتعوا بها.

أيضا قد تكون هناك مدارس ممارساتها التعليمية إيجابية ومتميزة ولكن بسبب العوامل المؤثرة بأداء الطلاب وخارجة عن سيطرة المدرسة أثرت سلبا على قدرات طلابهم ووضعت المدرسة بترتيب متأخر، فيكون هذا المؤشر وسيلة ضغط على المدرسة لتغيير ممارستها لنحو يزيد السوء على طلابهم، وقد يتعدى الأمر لاعتقاد أصحاب القرار أن تميز هذه المدارس بمؤشر ترتيب يعزى فقط لنوعية الممارسات التعليمية فيها وليس بسبب نوعية الطلاب المسجلين بها وقدراتهم العقلية أو الاجتماعية؛ فتعمم تلك الممارسات على بقية المدارس من دون فحص أثرها الفعلي على تميز الطلاب فيتضرر الطلاب بتعميم ممارسات تعليمية سلبية على مدارس كانت ممارساتها التعليمية إيجابية ولكنها حصلت على ترتيب منخفض بسبب عوامل كانت خارج تحكمهم. أيضا قد تزداد سلبية المؤشر بالوضع الراهن عند استخدامه في محاسبة العاملين بالمدرسة من دون الأخذ بالعوامل الخارجة عن سيطرتهم؛ لأنه سيسبب في هجرة المعلمين المميزين من المدارس الأكثر حاجة لهم إلى مدارس أخرى تميزت بسبب نوعية طلابها وليس بسبب مستوى أداء العاملين بها؛ لأنهم سيسعون لتجنب المحاسبة وللحصول على التقدير الذي حصل عليه أقرانهم الأقل أداء حتى وإن لم يبذلوا نفس الجهد الذي كانوا يبذلونه بمدارسهم، مما يضر الطلاب بالمناطق الأكثر حاجة لمعلمين متميزين وذلك بتكالب سلبية هجرة المعلمين المتميزين من مدارسهم مع ظروف أسرهم الاجتماعية والاقتصادية التي لم تسهم بشكل إيجابي في تحسين أداءهم الدراسي.

فلاستثمار أمثل لتلك البيانات المتوافرة لدى هيئة تقويم التعليم والتدريب قد يكون من الضروري إجراء دراسة بحثية لمعرفة عوامل الاختلاف في أداء المدارس في مؤشر ترتيب وفي حالة وجود عوامل خارج سيطرة المدرسة مؤثرة بتلك الاختلافات، فلابد من إعادة تصميم مؤشر ترتيب لكي يكون انعكاسا لأداء المدرسة وليس انعكاسا لدخل أسر طلاب المدارس أو غيره من العوامل غير المتعلقة بعملية التعليم داخل المدرسة، على ألا يتم الاعتماد على مؤشر ترتيب بالآلية الحالية في محاسبة أو مكافأة مكاتب التعليم أو المدارس حتى يتم التأكد من أن المؤشر انعكاسا فعليا لأداء المدرسة وحدها.