إياد طلال عطار

التقشف

الجمعة - 24 مارس 2023

Fri - 24 Mar 2023

أضحت الحياة المدنية الحديثة تعتمد بشكل الكبير على الماديات وأصبحت جالبة للهموم والضيق والتوتر والقلق، وظهرت الأمراض النفسية بسبب تغلغل ذلك بين أفراد المجتمع، وساعد على ذلك ظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تسير المجتمع بحسب آراء المشاهير ورغبات المعلنين، وسببت الكثير من الإشكاليات المجتمعية والتربوية بين أفراد الأسرة، حيث كثرت الطلبات والمقارنات ولم يعد الرضا والقناعة حلا ناجعا لذلك، وهناك ضغط متواصل على رب الأسرة لتوفيرها بشتى الطرق حتى إن اضطر إلى الدين في ذلك.

المطعم يقدم وجبات بطريقة عصرية فلنذهب إليه، وشركة الهواتف قد أعلنت عن إصدار منتج جديد يحمل بعض الميزات الزائدة قليلا عما أملكه حاليا لكن لا يهم؛ فالمهم أن أمتلك آخر إصدار، وذاك المشهور أعلن عن مدن سياحية لم أذهب إليها فلنحجز إليها، والجميع لديه حسابات في التواصل الاجتماعي فلأسجل وأشترك حتى لو لم أستخدمه، ولكن يجب أن أشترك ليكون مظهري متكاملا بين المجتمع، وهكذا ولكن إلى متى يحاول المرء إرضاء المجتمع؟!

وفي القرآن الكريم يقول الله عز وجل (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم...) وفي سيرة المصطفى سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وضع القواعد لتحد من تغلل الحياة المترفة وتذكرنا دائما بالعيش بوسطية لا إفراط ولا تفريط، يذكر في الحديث النبوي عن أبي أمامة الأنصاري - رضي الله عنه - قال: «ذكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما عنده الدنيا، فقال سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا تسمعون؟ ألا تسمعون؟ إن البذاذة من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان».

والبذاذة بمعنى التقشف، وقول رسولنا الكريم اسمعوا وكررها للتأكيد، بأن التواضع في اللباس والزينة من أخلاق أهل الإيمان فربطها رسولنا الكريم بالإيمان لقيمتها العالية، ومن المهم على الفرد التعود على ذلك وتربية أبنائه عليها فإن النعم لا تدوم.

أيضا مما يذكر عن سيدنا عمر أنه رأى رجلا يشتري عنبا فسأله عن سبب شرائه فقال اشتهيته واشتريته فقال سيدنا عمر ما كل ما اشتهيته اشتريته، فالحكمة العمرية هنا جلية بوجوب الاقتصاد ووضع حد لما يشتهيه الفرد.

علينا جميعا واجب اجتماعي للعمل على إعادة الوسطية في حياتنا وعدم البذخ وإهدار الأموال في مالا فائدة منه لمجرد التقليد أو مجاراة لأشخاص، والقناعة كنز لا يفنى.

doctoreyadattar@