علي الحجي

الخوف من فوات الأحداث

الأربعاء - 22 مارس 2023

Wed - 22 Mar 2023

الكثير من الناس، خاصة في العصر الحديث، لديهم معضلة متابعة كل شيء والتزامهم بالمشاركة في كل شيء، فجواله لا يهدأ من ضجيج القروبات، وله في كل وسيلة تواصل اجتماعي أكثر من معرف، ومشترك في المواقع الإخبارية، ومفعل التنبيهات للأخبار العاجلة السياسية والرياضية والاقتصادية، يحضر كل المناسبات وملم بأحدث أماكن تجمع الناس والأسواق والمقاهي، ولديه خوف دائم من فوات حدث أو أن يسبقه غيره بمعلومة، لدرجة أنه لا يجد الوقت الكافي للتفكير في اهتماماته وأداء واجباته وتطوير ذاته بشكل منظم.

إن الشعور بالرغبة بالارتباط بالآخرين والأحداث من حولك حاجة إنسانية طبيعية تشبع جانبا من حاجاته الاجتماعية وتجنبه الشعور بالوحدة، كما تشبع حاجته لإيجاد مكان لذاته مع أشخاص يهتمون لأمره وسط زحام الحياة من خلال تفاعله مع الأحداث فينقل لهم ما يراه مفيدا ويتفاعل مع طرحهم بإيجابية، لكن الأمر قد يتطور لزوايا مظلمة بالبحث عن قيمة مفقودة من خلال الترويج لآراء صاخبة تلفت الانتباه لها.. وهج وجمهور، فيتبنى أفكارا مثيرة وينقل تبريرات ومصطلحات لها وهج على طريقة (ألجم) (طير الجبهة) تشعره بالانتصار وتلفت الأنظار ليقول أنا موجود ومعكم، مما قد يدخله في جدليات وصدامات وربما قضايا قانونية ليس له فيها ناقة ولا جمل.

وفي حالات أخرى قد تدخل الفرد في حالة من التوتر والتأهب لمتابعة الأحداث والرد على الآراء والسبق بالأخبار وقبول الدعوات حتى وهو في حالة انشغال.

وكلا النمطين السابقين في إطار حاجتين هامتين هما الحاجة للاندماج الاجتماعي والمكانة الاجتماعية.

وقد فاقمت وسائل التواصل الاجتماعي بعض الثغرات النفسية الموجودة سابقا وجعلتها تظهر وتؤثر بشكل واضح على حياة الناس، فقد أحدثت حالة من التنافس على إظهار مشاعر السعادة والرخاء من خلال تصوير الطعام والملابس وأماكن التواجد الفاخرة، مما يجعل البعض يعيد التفكير ويتساءل هل اتخذت القرارات المناسبة بشأن خياراتي المهنية والتعليمية والاجتماعية في الحياة؟، هل أقضي وقتي بالشكل الصحيح؟ ويبدأ في التفكير في تغيير مساره لمسارات ليس لديه الاستعداد الكافي لها.

الاعتراف بالمشكلة أول خطوة لحلها، ولابد من القناعة بأنه لا يمكن لأحد أن يتواجد في أكثر من مكان في نفس الوقت، ويحصل على كل الميزات، وتكون آراؤه صحيحة في كل الأحداث، والتركيز على المهام الأساسية في حياتك المهنية والعائلية وتطوير الذات، فالمعلم يركز على تفاصيل درسه ويدع التعليق على الأحداث، والأب يركز على تعليم أبنائه مهارات الحياة أكثر من تعليمهم أسباب الخلاف الأمريكي الروسي في أوكرانيا، فقراءة كتاب وتعلم مهارة والزواج وبناء منزل أهم من متابعة آراء الناس والرد عليها والبحث عن الأجوبة للأسئلة وتطيير الجبهات والسبق بالأخبار العاجلة.

aziz33@