بسمة السيوفي

الشراكة والتبعية

الأربعاء - 22 مارس 2023

Wed - 22 Mar 2023

عندما يكون للمرأة زوج صالح فإنك سترى ذلك في وجهها وملامحها وسكينة كلماتها، بينما إن كان هناك زوجة واحدة شريرة في هذه الدنيا، فإن كل زوج يعتقد أنها زوجته.

الجزء الأخير لست أقوله أنا بل أنيس منصور المتهم بعداوته للمرأة.

اطلعت مؤخرا على دراسة تفيد بأن منظومة الزواج تزيد من الشعور بالسعادة وتحقيق الغايات في الحياة، وقد فحصت الدراسة تاريخ العلاقة بين 7532 شخصا مقسمين إلى ثلاث مجموعات، «المتزوجين، والمتزوجين سابقا، والعازبين»، تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاما، وكان 79% من المشاركين متزوجين باستمرار، وقضوا معظم حياتهم في زواج واحد.

وقد وجدت النتائج أن المتزوجين يعيشون أطول، ويكونون بصحة أفضل، ويكسبون أموالا أكثر، ويمارسون حياة جنسية ممتعة.

وإذا نظرنا إلى مستوى سعادة الناس قبل وبعد الزواج بشكل عام، فإن المستوى لا ينخفض إلى ما كان عليه قبل الزواج.

وقد يظن قياسا على ذلك أن الطلاق يجعل الناس غير سعداء، وهذا استنتاج غير صحيح أيضا، فعندما يسوء حال مؤسسة الزواج فإن الانعتاق من هذه العلاقة يشعر الشخص بالراحة، وهو ما ينطبق على الرجال تماما كالنساء.

فقط الزواج السعيد هو من يجعل الناس سعداء، لكن هناك الكثير ممن تستمر حياتهم الزوجية لاعتبارات أخرى غير السعادة ونجاح العلاقة.

إن الحديث عن التشاركية والتبعية لا يعتبر هامشيا في ظل ما تعيشه المرأة اليوم في مجتمعاتنا العربية بشكل خاص، ولكنني سأسلط الضوء على بعض النقاط التي قد تكون مفتاحا لتشخيص الحالة وبالتالي الوصول إلى نتائج.

العلاقة التشاركية بين المرأة والرجل في إطار الزواج لدينا تحمل المرأة أكثر مما يجب، فإن كان المفهوم الذي بنيت عليه العلاقة أنها الآلة الجنسية للمتعة والإنجاب، فإن الحالة الأنانية الذكورية تصبح مسيطرة على حساب تجسيد مفهوم الشراكة الحقيقي في مؤسسة الزواج، فمثلا نرى أن اختلاف التنشئة الأسرية، أي أن تكون الزوجة من بيئة أسرية تربت على التشاور والاحترام المتبادل بين الزوجين، بينما يكون الرجل من بيئة أسرية درجت على أن الرجل وحده الآمر والناهي (والعكس صحيح)، سيصبح الناتج صراعا للأدوار وتنازعا على اتخاذ القرار في الأسرة، خاصة لو كان الزوج غير ناضج عاطفيا وتفتقد العلاقة بينهما إلى الثقة المتبادلة في القدرة على اتخاذ القرارات السليمة، أضف إلى ذلك طامة أخرى، وهو وجود اضطرابات سلوكية كالعدوانية والنرجسية، فلكم أن تتخيلوا بيئة هذه الحياة ونوعية هذه العلاقة غير الصحية بتاتا.

وقد عبر النص القرآني الكريم عن هذا الرباط الإنساني تعبيرا لم توصف به أي علاقة أخرى قط، بقوله تعالى (وأخذن منكم ميثاقا غليظا)، فلم يرد أي وصف لأي علاقة تؤكد العهد بين طرفين بالميثاق الغليظ إلا العلاقة الزوجية، والميثاق أن تحكم شد الشيء، والعهد يكون حالا من المتعاهدين، أما الميثاق فيكون من أحدهما.

وبالتالي فالمطلوب أن يفكر الزوجان بروح ومشاعر الشراكة، وتعني التشاور في الشؤون المرتبطة بالطرفين، وبعموم الأسرة بما يحقق وفاء لهذا العهد الذي أخذت به النساء بأمانة الله، واستحلت به الفروج بكلمة الله طلبا وقبولا وإيجابا.

ولما كانت الزوجية اجتماع ذاتين لزم جعل إحداهما مرجعا عند الخلاف، ورجح جانب الرجل؛ لأن به تأسست العائلة؛ ولأنه مظنة الصواب لغلبة العاطفة أكثر على المرأة.

أما عن التبعية والمتبوع وأن مبدأ القوامة مرتبط بالعلاقة الزوجية فقط وليست لتعاملات الرجل الأخرى مع المرأة، مثلا في بيئة العمل، حتى أن القوامة تنتفي في حال انتفت الأسباب الموجبة للقوامة، ولا مجال لمناقشة ذلك الآن.

وأقول إن دور المرأة في مجتمعاتنا لا يجب أن ينحصر فقط في نطاق الزوجة الصبورة والأم المقدسة، وأن أدوارها خارج هذا الإطار تحتم عليها أن تبقى في دائرة التنفيذ لإرادة الرجل من باب التماهي مع الواقع المصلحي وإلا جعلتها الذكورية وجعلها المجتمع تدفع ثمنا باهظا.

إن فكرة تحرر المجتمع العربي من التصورات النمطية لواقع المرأة لا يعني البتة الانتظار حتى تتفكك المجتمعات، بل إنه مطلوب لزيادة التماسك الأسري، فالأسرة هي النواة الصغرى لهذا التكوين، ومؤشرات الطلاق أكبر دليل على ذلك.

المرأة ليست جسدا وحسب، بل كينونة تامة لا تتأثر ولا تنقص بالتبعية المفروضة إنما أيضا تملك طبيعتها الحقيقية، كما أن الرجل ليس جسدا أيضا، بل أفعالا تنفي الجهالة، بمعنى أنه السند والمتكأ الذي لا يتخطى المرأة ولا يمارس حياته من دونها.

إن التغيير في نمطية العلاقة التشاركية في الزواج، ودوائر تواجد المرأة مجتمعيا بحيث يتحقق الرفاه وترتفع مستويات جودة الحياة، يتطلب تعديلا في المفاهيم لدى الرجال قبل النساء، فالنظرة النمطية للمرأة مرهونة جوهريا بتحرر الرجل من معتقداته وتصوراته النمطية أيضا، فمفهوم «زوجوه حتى يعقل» لم يعد ساريا ولا مقبولا الآن، وهو لن يتفوق عليها عقليا ولا أخلاقيا، ولن تكون مبهوتة بقدراته العقلية إن لم يكن هو خارقا في ذلك.

وإن فات قطار تغيير فكر بعض الرجال، أجدها فرصة لدعوة كل أم أن تربي ذكورها على قيمة الأسرة وعلى رجولة الفعل مع الزوجة، فالزوجة لا تريد زوجها مهزوما ولا مستكينا ولا مهمشا أبدا وإلا اهتزت أنوثتها وتقزم دورها، تريد التشاور والأخذ بالرأي ثم عليه القرار وتحمل مسؤولية القرار، والرشد في القرار لازدهار الأسرة في المستقبل.

لب الإشكالية هو وضع المرأة في قالب والتعامل معها بتضاد وتغييب ونفي وانتفاء.

وكل النقاشات المجهولية التي تدندن حول ذلك ولا تفضي إلى نتائج تغير الواقع والمفاهيم تعتبر هرطقة بلا ثمر.

التربية على الصلاح للأنثى وعلى الإخلاص للذكر والعطاء والتضحية من كليهما، ودور التعليم والفكر والثقافة والمؤسسات المجتمعية في تأصيل ذلك، هو المناط والمعول عليه مستقبلا في ظل التغيرات الاجتماعية التي نعيشها.

smileofswords@