عبدالله سعود العريفي

بلطجة مقنعة

الثلاثاء - 21 مارس 2023

Tue - 21 Mar 2023

يحدث أحيانا في بعض أماكن العمل أن يأتي من يتولى إدارتها ويبدأ عمله منفتحا على كافة العاملين بها ومتقبلا للأفكار الجديدة ومتفهما وسهل التعامل معه ويبدأ في مد جسور الاتصال ويبسط وسائل التواصل والتفاهم مع أكبر عدد منهم إن لم يكن معهم جميعا، ثم شيئا فشيئا يبدأ بالانقباض والتضاؤل وتبدأ علاقته بهم بالانكماش إلى أن يصل به الحال إلى الاقتصار في تعاملاته على عدد معين ومع مجموعة محددة قد لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، ويصبحون هم الشلة التي يقود من خلالها عمل بقية العاملين.

وعندما تكون الشللية فإن المعيار المهني يختفي ويتلاشى في أساليب العمل وطرقه ويكون غالبا مبنيا على محاباة وصحبة بين أطراف المجموعة الواحدة، وينقسم العاملون بين تكتلات لإحراز مصالح ذاتية أو تحقيق منافع شخصية أو الدخول في صراعات إدارية تتدمر معها مشاعر العاملين ويتحطم بسببها تناغم الجهود وتتشتت معها الأفكار والأعمال، وهي من أكثر الظواهر التي تلوث بيئة العمل وتتسبب في عدم نقائها.

وفي تلك البيئة الملوثة لا تكمن الصعوبة ولا الخطورة في الدخول مع شلة من الشلل ضد شلة أخرى فحسب، بل إن الإنسان لن يطمئن ولن يسلم ولن يتخلص من الأذى حتى لو وقف على الحياد وابتعد عن الانحياز ولم يمل إلى شلة ضد أخرى، والانتماء إلى الشلة وإنشاء علاقة شخصية حسية إيجابية معها يتطلب اجتياز اختبارات متعددة تبدأ بالتخلي عن القيم وترك المبادئ ويكون مقياس قبول الفرد فيها قائما على مدى قدرته على إجادة الفهلوة والبلطجة المقنعة واستعمال الحيل والبراعة في الخداع ومن يرفض الانضمام للعضوية القهرية؛ فهو العدو اللدود والخصم الحقود.

وعادة ما تنشأ تلك الشللية وتتكون في أماكن العمل والإدارات البيروقراطية وتعمل على إعطاء مصالحها أحقية قصوى ومنح منافعها أولوية كبرى على حساب العمل ومصالحه وتعمد إلى إعاقة العمل المؤسسي وكبحه وتعطيله؛ فهي تفتقد الحوار والنقاش والذي هو متطلب لديمومة التواصل وتحريك ذرات التفكير للوصول إلى الرأي الأصوب والقرار الأصلح؛ ففي الغالب فإن أي رأي سيتم طرحه سيصادف قبولا وسيلقى موافقة وسيجد استجابة من جميع أفراد المجموعة بدون إمعان في الأمر بحثا وتدقيقا وبدون تفكير أو دراسة جدية،

والشللية داء طارد للإبداع والابتكار والتفوق حيث السيطرة التامة على زمام الأمور مما يؤدي إلى الترهل، وهي ظاهرة مؤذية وإشارة مؤلمة وتؤدي إلى ظهور الصراعات ونشوء المشاحنات بين الشلل الإدارية المتعددة في أماكن العمل وتزهق الإبداع وتقضي على الإتقان، وهي سبب في جعل محيط العمل غير صحي بشكل لا يحتمل وبيئته ممرضة بصورة لا تطاق، ويصل الأمر إلى التعوذ منهم ومن أذاهم عند الدخول وعند الخروج.

من واجب صاحب الإدارة أن يعمل على فصل الشللية وتفريقها حيثما وجدت وسع طاقته وأن يفكك أجزاءها المترابطة؛ فلا ينثني ولا يتنازل أمامها ولا يجامل فضلا عن أن يمتطيها، وفي الواقع فإن هذا الموضوع لم يأخذ حقه من الدراسة والتحقيق والبحث والتركيز بالرغم من أن علماء الإدارة قد قاموا بأخذه من الوجهة النظرية في كثير من مؤلفاتهم.