أحمد الهلالي

تأملات في صناعة المحتوى الرقمي!

الأربعاء - 15 مارس 2023

Wed - 15 Mar 2023

المحتوى هو المادة التي يتضمنها حامل ما، كمحتوى الكتاب والصحيفة وقارورة العطر والإناء وغير ذلك، وشاعت مؤخرا مضافة إلى كلمة صناعة، وفي رأيي أن صياغة المصطلح بهذه الصفة المركبة تركيبا إضافيا أتت استجابة لكثرة أنواع المحتويات، وتعقيدات الحوامل الحديثة، وحاجتها إلى اشتغال يشبه الصناعة، فلم تعد الكتابة وحدها أو الرسم وحده قائما بالمهمة، بل تداخلت الكثير من الأدوات في عمليات معقدة وطويلة، ربما لا يستطيع شخص واحد القيام بها في العالم الرقمي.

كلما تطورت الأدوات والمنصات، تطور المحتوى، وزادت تعقيداته، فلم يكن يتجاوز الكتابة أو الرسم أو إنتاج الصوت أو الفيلم، وغالبا ما يقوم بهذه الأدوار متخصصون بالممارسة أو بالدراسة، لكنه في الثورة الرقمية الحديثة اتخذ أشكالا متعددة، وبات يزاوج - في الغالب - بين كل تلك الأدوات مضيفا إليها الكثير من المنتجات التقنية الحديثة، كالرموز التعبيرية، والمؤثرات البصرية والسمعية، وغيرها، والأهم من ذلك أنه أصبح متاحا للجميع بفعل التطبيقات التي تقدم خدمات التصميم والجرافيك والمونتاج وغيرها من العمليات الفنية الضرورية لصناعة المحتوى.

في الجانب المهاري، استغنينا في العالم الرقمي عن مصطلحات المؤلف والمؤدي والمقدم والكاتب والمعلن والمعد، وجمعناها كلها في مصطلح (صانع المحتوى)، وهو الفرد أو المجموعة أو الكيان الذي يتخصص في صناعة محتوى ما، ويبثه عبر منصة معينة، تتحكم المنصة غالبا في شكل المحتوى حسب أدواتها الأساسية، فالمحتوى يتباين في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي أيضا تختلف عن المدونات والمواقع الشخصية والإيميل وغيرها، ولكل نوع من هذه المنصات شروطه الخاصة، سواء في جانب الزمن، أو المساحة، أو الأداة المستخدمة لتقديم المحتوى، وقد يمزج صانع المحتوى بين خصائص هذه المنصات، مستثمرا خصائص التشعبية لترويج محتواه عبر أكثر من منصة.

كذلك تختلف المحتويات في موضوعاتها، فهناك المحتوى الإخباري، والتحليلي، والترفيهي، والمحتوى التثقيفي، والتوعوي، ومحتويات أخرى بحسب التخصصات، كالفني والثقافي والتاريخي والسياسي وغيرها، وغالبا ما يتحكم الموضوع بصانعه، ويجبره على التخصص فيه، فصانع المحتوى الأفقي لا يجد الرواج الذي يحققه صانع المحتوى العمودي، فالأخير يستمر في الحفر في أعماق الموضوع الذي يتناوله، ويطارد باهتمام كل تشعباته المتصلة، ولا تغريه الموضوعات الأخرى البعيدة كصانع المحتوى الأفقي الذي يقدم محتويات متباينة، ولكننا أحيانا نجد بعض المحتويات الرائجة وهي متباينة، لكنها في حقيقتها تنضوي تحت ثيمة أكبر، كأن تجتمع كل المحتويات تحت ثيمة الترفيهي، أو التثقيفي أو أي موضوع رئيس آخر.

ومن جانب المهارات اللازمة لصانع المحتوى، فإن الثقافة وسعة الاطلاع والإلمام بالموضوع والشغف به تأتي أولية، تليها العزيمة الوثابة، والصبر اللامحدود، فغالبا ما يصطدم صانع المحتوى بصعوبة موضوعه بعد فترة قصيرة، وضرورة أن يبحث عن موارد وروافد تغذي أفكاره، ما يقتضي أن يوسع اطلاعه ومتابعة متعلقات الموضوع.

ومن عوائق بعض مشروعات صناعة المحتوى، أن الصانع قد يصطدم بقلة الاهتمام والمتابعة، ولا سلاح في هذه الحالة أجدى من الصبر ومواصلة الجهد والبحث عن أفكار تسويقية، أما إن كان محتواه بطبيعته لا يشد انتباه الآخرين، كأن يكون مستهلكا، أو تقليديا، أو مكررا، أو كانت أدوات صناعة المحتوى ضعيفة، تخلو من الذكاء الإبداعي وروح التجدد والابتكار، فعليه التفكير في محتوى آخر، وقد اكتسب الخبرة المناسبة في التجربة السابقة.

وبطبيعة الحال فإن تسويق المحتوى موضوع آخر مواز لصناعته، وكلاهما يعتمد على الآخر، وأرجو أن أجد له مساحة في مقالة أخرى، لأنني سأستكمل الحديث عن صناعة المحتوى في المقالة القادمة.

ahmad_helali@