عبدالله سعود العريفي

يألفون ويؤلفون

الاثنين - 13 مارس 2023

Mon - 13 Mar 2023

الإنسان كائن اجتماعي بطبعه يعيش بفطرته في محيطه ومجتمعه فيتأثر بهما ويتفاعل معهما بحسب إدراكه وإحساسه واتجاهاته، وهذا يعني أنه فطر على التعامل مع الآخرين؛ فهو لا يقدر على العيش وحيدا بمعزل عنهم مهما توفرت له سبل الارتياح والرفاهية، والألفة هي من طبيعة الإنسان؛ لأنه بطبيعته اجتماعي.

وأساس العلاقات الاجتماعية هو أن يحصل ألفة فيها، ومن الصعب والعسير أن يعيش الإنسان وحده مستقلا بنفسه معزولا عن الناس ومفصولا عنهم ومبتعدا عن مخالطتهم وبعيدا عن الألفة لا يحب أن يخالط الناس أو يصاحبهم إما لسوء ظنه بهم واعتقاده وتصوره أن كل ما يصدر عن الناس فيه سوء، وإما لقسوة قلبه واستعلائه بذاته وترفعه وتكبره على الآخرين.

وفي الحياة هناك أناس يمتازون بسماحة النفس ويتقبلون واقعهم ويتعايشون معه ويتوافقون مع من حولهم بسرعة؛ فيستقبلون الواقع بانشراح فيما يحبون ويتغاضون عما يكرهون ويتصفون بحلاوة الروح وطيب النفس ومرحها ورقتها وعذوبتها ويتميزون باللطف وطلاقة الوجه والبسمة الحانية والكلمة اللطيفة والترحيب الصادق، تراهم لأول مرة فتشعر أن بينك وبينهم ألفة منذ زمن بعيد فتقبل عليهم وتقترب منهم وتطمئن إليهم وترتاح معهم.

والبعض الآخر من الناس يريدون أن تكون الدنيا كلها على وفق شهواتهم وأهوائهم الآنية المتجددة ولا سهم لهم في مجال الخلق وميدان عفوية الأخلاق والذي يستلزم أن يكون الإنسان لين الجانب لطيف المعشر كريما سخيا سمحا متواضعا بسيطا في التعبير والتصرف بعيدا عن التكلف والتصنع وإظهار ما ليس فيه، وهم بذلك يظنون أن بطباعهم الحادة وشراسة أخلاقهم وتذمرهم من كل شيء لا يوافق أهواءهم وانفعالاتهم السريعة وعبوسهم وتجهمهم وتقطيب وجوههم يصير لهم مظهر يوحي بالوقار والهيبة والحظوة والمكانة والمنزلة عند الناس.

وما أمس حاجة الإنسان إلى الألفة والالتئام والاجتماع؛ فبها يتعايش مع كل من حوله من أهل وأقارب وأصدقاء وزملاء وجيران بل هي الطريق إلى الانسجام والسبيل إلى الائتلاف والممر إلى التوافق، وهذا الانسجام وذلك الائتلاف والتوافق أمر ليس بالسهل واليسير والهين، حيث المساحات المتباينة من الآراء واختلاف الأمزجة النفسية وتنوع الأفكار واختلاف وجهات النظر وتلون النفوس وتغير الآراء وتبدل الطباع.

ولا شك أن الألفة تحتاج إلى مكابدة ودأب واجتهاد ومثابرة وتضحية وتنازل عن بعض الحقوق وعدم المبالاة ببعض المواجهات، وأبعد الناس عن الألفة من انطفأت في قلبه الأنوار وتوقفت عن الاشتعال والإضاءة فعاش خشنا فظا غليظ الجانب سيئ الخلق مفتقرا للسلوك الحسن والتصرفات المهذبة لا يتسامح ولا يتساهل ولا يلين ولا يلتمس العذر للمخطئ ولا يعين على تصحيح المسار والنهوض من الكبوة ولا ترى على وجهه ابتسامة تثق فيها أو طلاقة وجه ترتاح معها أو بشاشة تطمئن إليها؛ فهو شديد الغضب دائما ومكروه حتى إلى أقرب الناس إليه.

وجدير بالإنسان أن يتساءل: كيف يعيش من لا يدرك طعم الألفة ولا يشعر بلذة روح المودة مع الآخرين؟ وكيف يتهلل وجهه؟ وكيف يؤدي عمله؟ وكيف يستطيب الأكل والشرب؟ وكيف يهنأ بالمنام وهو يشعر بعبئه على الآخرين؟ وأحيانا قد لا يشعر هو وقد لا ينتبه وقد لا يحس لكن الآخرين يشعرون وينتبهون ويحسون بكل ذلك.