حاتم المسعودي

عندما كنا صحفيين

الاثنين - 13 مارس 2023

Mon - 13 Mar 2023

في 2015 نشرت في صحيفة مكة مادة استقصائية عن تفاعل الوزراء مع إيميلات المواطنين، مدعومة بوقائع حقيقية تطلب العمل عليها أكثر من شهرين، ووضع لها معايير صارمة لقياس التفاعل بكل مصداقية، طبعا تلك المادة حققت رواجا واسعا، ومشاهدات مليونية، دفعت عددا من القنوات والصحف لمتابعتها، ومحاكاتها بناء على تأثيرها، وقوتها، وتفاعل المجتمع معها.

المادة المشار لها لم تكن من مواقع التواصل الاجتماعي، بل استقصاء من خارجه وداخل إليه واكتسحه كعمل ميداني بعد الحصول على شكاوى مواطنين حقيقية أرسلتها للوزراء ومتابعة نتائج تفاعلهم معها لذلك كان عملا حقيقيا لا أدعي أنه لم يسبق لأحد عمل مواد بهذا الشكل، لكني حزين ومتأسف لما يحدث اليوم في صحافتنا.

قرأت دراسة مؤخرا تقول إن 2%‏ فقط من الصحفيين لا يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار في الصحف السعودية الالكترونية، وتتفاوت درجة الاعتماد ما بين الضعيفة والمتوسطة وإن كان الغالبية من خلال الدراسة يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر خبري وأهم منصة يعتمدون عليها هي تويتر وهذه حقيقة تثبتها البرامج والأخبار في الصحف بعدما أصبحت موادهم الإعلامية تعتمد على من يسمونهم مشاهير ومشهورات «السناب أو التيك توك» بعدما وجدت مشاهدات وتفاعلا عاليا على المقاطع أو التغريدات التي تعنى بهذه الفئة.

ولكي لا أكون مجحفا لا يتحمل هؤلاء الصحفيون المسؤولية كاملة وإن كانوا جزءا منها؛ لأن الصحف أيضا لم تعد تلك الصحف التي تؤمن لقمة العيش لموظفيها المتفرغين على وجه الخصوص أو المتعاونين، للبحث عن المواد الصحفية أو الاستقصائية التي تخدم المجتمع بشكل حقيقي بل توجهوا للمواد السهلة السريعة التي تحقق لهم مشاهدات وتفاعلا مخجلا وتفرحهم بواقعهم الصعب في هذه الكيانات.

بعد ثورة مشاهير ومشهورات السناب والتيك توك نعتقد أن مستقبل وحياة وواقع المجتمع تغير وأن النقد تحول من خدمات إلى أشخاص؛ فتحولنا بدلا من أن نتابع تطور التعليم وتحول الصحة ومستقبل الإسكان وغيرها من الخدمات المجتمعية إلى متابعة وسماع أخبار إثارة فلان وسخافة علان وميك آب وجرأة فلانة ونركز عليهم، حتى أن الأمور أشبه بثقافة مجتمع يمتد إلى المجالس والمثقفين فيه ينتقدونه بدلا أن تفتح حوارات ثقافية ومجتمعية لتطوير عقول الشباب وما يحدث من مشاريع وتنمية عالمية على مستوى الدولة.

لم ينته السبق الصحفي، ولا يزال متسع للمواد الاستقصائية المبهرة، وهناك مكان للقصة الخبرية الشيقة، والحوار الصحفي المثير، فقط نحتاج أن يتم إعادة صياغة الواقع الإعلامي، وتمكين الجهات الإعلامية الرسمية، لممارسة دورها الريادي في المجتمع، فلا يزال الكثير من الأمور التي تحتاج لوجود صحفيين حقيقيين من أجل الوطن.

hatim_almsaudi@