محمد مسفر الشردان

أربع عمليات جراحية ولم يختف الألم

السبت - 11 مارس 2023

Sat - 11 Mar 2023

في المقابلة الأولى للمريض، هناك توجس كبير من المجهول عند الطبيب وعند المريض، يحاول الطبيب حل لغز لا يعرف حيثياته بعد.

ولكي يصل إلى خيوط اللغز يقوم بعملية أشبه ما تكون بعمل المحقق، يبدأ بأسئلة للمريض، وهذا هو التاريخ المرضي، ثم يبحث عن الأدلة، وهذا هو الفحص السريري، ثم يقوم باستطلاع للحادثة، وهذا هو مراجعة الأشعة والتحاليل.

ولا بد من اكتمال هذه الأركان الثلاثة وإلا فالقضية خاسرة.

في هذا المقال نكمل القصة التي بدأنا طرحها في المقال السابق بعنوان «شلل في الأطراف السفلية».

- أخبرني يا سيد مايكل ما الذي جاء بك هنا؟

قال لي وهو يتهكم: أتريد القصة المختصرة أم القصة الطويلة؟ سألته بلطف أن يقول لي القصة باختصار غير مخل.

تنهد وقال: قبل 15 سنة سقطت وأنا ألعب الهوكي وتمت معالجتي بعملية في أسفل الظهر لتخفيف الضغط على الأعصاب، ثم بعد 3 سنوات احتجت لعملية ثانية في الفقرات التي أسفل من العملية السابقة ثم بعد 5 سنوات احتجت لعملية ثالثة لتثبيت الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة القطنية، ثم قبل قرابة الأربع سنوات احتجت لعملية رابعة لتمديد التثبيت إلى الفقرة الثانية وفقرات العجز.

بعد العملية الأولى شعرت بتحسن كبير لكن أصدقك القول يا دكتور بعد كل عملية تبعتها لم أعد إلى طبيعتي أشعر أني كلما دخلت غرف العمليات أخرج وقد نقصت قدرتي على الحركة 10%، كما تعلم ما زلت صغيرا لكن الآن لا أستطيع حتى الذهاب إلى البقالة، قال هذه الجملة الأخيرة، وتحدرت دمعة كان يرجو بقاءها، بحركة عفوية مددت يدي إلى علبة مناديل على الطاولة وقدمتها له، شكرني ثم عدت لسؤاله مرة أخرى: كيف تجد نفسك الآن من ناحية الحركة؟

تنهد مرة أخرى وكأنني فتحت جرحا غائرا عنده، وقال: الآن نقلت غرفة نومي للدور الأرضي لأنني لا أستطيع صعود الدرج، قدمي اليمين لا تتحرك كما ينبغي، وكما أخبرتك سابقا لا أستطيع المشي أكثر من 100م بدون التوقف، انتهيت من بقية الأسئلة وقمت بفحصه ثم جلسنا لنراجع الأشعة التي جلبها معه.

أخبرته أن هناك أكثر من طريقة للعلاج لكنني أحتاج إلى مراجعة الصور مرة أخرى واستشارة أستاذي ثم سأخبره بالخطة العلاجية بعد ذلك. ودعني متألما ومتأملا وودعته متحيرا.

في حالة مايكل تم تثبيت الفقرات بدون مراعاة لتقوس الظهر بشكل جيد فأصبح إذا انتصب قائما كأنه منحن إلى الأمام فرأسه متقدم عن حوضه بنحو 30 سم، الطبيعي يكون الرأس فوق الحوض مباشرة.

حتى يتم تعديل هذه المشكلة تقدمت بعرض للاستشاري يتضمن عملية كبيرة تمتد من الفقرة الصدرية العاشرة وحتى الحوض وفي خلال العملية ينبغي إزالة المسامير القديمة واستبدالها وكسر بعض عظام الفقرات القطنية حتى نتمكن من حني العمود الفقري مرة أخرى.

قدمت هذا العرض للاستشاري الذي كان هو بدوره مترددا، سألني هل أنت متأكد من هذه الخطة؟ أليس الأفضل أن نقوم بعملية صغيرة نزيل بعض الضغط على الأعصاب وننتهي؟

أخبرته بوجه واثق «لا»، فهذا المريض قد تمت له 4 عمليات على هذا النحو ولم تنفع، كنت أظهر الثقة وداخلي متردد بشكل كبير، أولا لأنها عملية كبيرة، ثانيا لأني أعرف ابنة المريض، لكن كتمت ترددي وأقنعت الاستشاري واتصلت بالمريض وأخبرته بالخطة فوافق عليها ثقة فيني لا غير، وزاد ترددي وتخوفي.

في يوم العملية الموعود، كان يوم أربعاء، لا شيء يميزه يوم في وسط الأسبوع، لا يشعر به إلا المريض المتخوف وصاحبكم المتردد.

هل ستمضي العملية بسلام؟ أم أن هناك مضاعفات ستعكر صفو هذه القصة؟ كيف سيتصرف الجراح مع ما يواجهه من مخاوف؟ هذا ما سنعرفه في المقال القادم والسلام.