بسمة السيوفي

الاحتفاء بالمؤنث

الجمعة - 10 مارس 2023

Fri - 10 Mar 2023

بداية وقبل كل شيء أعلن نفسي إنسانة بهويتي الفردية وتعدد أدواري في الحياة، ما لا يقال عندي يشغل المساحة الأكبر من حياتي.. فليتهم علمونا كيف نمارس الوجود الأنثوي الواعي في الجامعة.. ليتهم أكسبونا مهارات تتفيه التوافه وتجاوز من يحاربونك، ليس لأنك امرأة على سبيل المثال.. وإنما لأن الله خلقنا لأهداف أكبر في الحياة، أظن أن أكبر هدف متطور نعيه كجنس بشري -رجلا كان أم امرأة- هو مقاومة الرحيل الصامت بكل صورة ممكنة.. مقاومة فكرة أننا سننتهي مهما كنا وصرنا وفعلنا.. فماذا علينا أن نفعل إذن لنتجنب أسى تلك اللحظة.. بأننا سنغادر وكل من حولنا سيغادرون.. «فالإنسان مرتحل والعارية مردودة».

هذا السؤال ليس من باب الترف الباذخ وإنما في الحقيقة أتى بعد مشوار حياة قاربت الرشاد، سؤال يحضر في ذكرى يوم المرأة العالمي.. حيث يمر شريط الأحداث أمامي سريعا، تمر الخسارات والإنجازات والهيمنة والتبعية لزمن مضى، تمر عبارات كانت خرقا وعصيانا مثل «تمكين المرأة» وأراها الآن أولوية وحرصا وثباتا لتطور المجتمع.. لأتذكرها وأبتسم، فقد أصبح لدينا الآن تلك الرؤية الثاقبة التي يعيها أفراد الوطن وتحرص عليها حكمة القيادة، كنا في زمن ترتضي فيه المرأة البقاء في بؤرة الظل وتخشى الدوائر الأرحب بدعوى العيب والعرف والتأويلات المقدسة، وقد عرقل ذلك الإنتاج اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وإعلاميا، نحن في مرحلة اجتماعية يدان فيها الفعل الذكوري بينما في الحقيقة لم نتمكن بعد من تفكيك هذه الممارسات وفهمها.. إن فكرة الهيمنة لمجرد النوع لا يمكن هضمها، وإن اضطهاد جنس لمجرد أنه الحلقة الأضعف لن تكون أيضا دون موافقته.

يأتي يوم المرأة وأنا في عوالم من الامتنان أني شهدت هذا التغيير والتمكين والحياة دون خوف من المستقبل، وأن لحفيدتي حق في الكينونة والحلم والاختيار والرفض أكثر مما كان في وقتي، زمن راحل بكل مغباته، تصاعدت فيه أنماط المرأة الضحية وكثرت البكائيات على وضعها اجتماعيا وقضائيا وفكريا، بينما تغير الحال الآن إلى الأفضل، أتذكر موقفا حدث منذ 5 سنوات لموظف خطوط طيران محلية وأنا على وشك صعود الطائرة قادمة من الدمام، نهضت من مقعدي في جهة الانتظار الموجودة عند ممر الدخول، وأشرت للموظف مبتسمة أن يسمح لي بالعبور فقد تزاحم الرجال فجأة، مع أني كنت جالسة في المقاعد الأمامية، وأتاني رده الصاعق المباغت الذي نطقه بلا مقدمات قائلا: تريدن المساواة.. انتظري آخر الطابور!

أكتب عن يوم المرأة وأنا أرى السيدات من حولي يتسنمن مناصب مرموقة، ويتواجدن بثقة وجدارة في منافذ البيع أو ما نسميه الوظائف الدنيا سريعة الدوران، وصولا إلى صاحبات الأعمال ورئيسات مجالس الإدارة ومديرات الهيئات والجامعات والشركات سواء الحكومية أو القطاع الخاص.

أنا أتحدث الآن عن المرأة باعتبارها كيانا مساويا للرجل في الحقوق والواجبات ستحاسب عند ربها بما كلفها تماما بلا تفضيل ولا دونية، وهي أيضا ليست شيطانا يجب رجمه أو تابعا يحترم فقط لاحترام من يتبع، بل هي كائن بذاتها لها منجزاتها التي لا علاقة للرجل بها.

فلم يعد بإمكانه أن يحرمها تعليمها أو أن يخرجها من وظيفتها في لحظة غضب.. أو أن يمنع عنها حق العلاج في المستشفيات.

دور نساء اليوم أن يتخطين تلك المرحلة ويكملن المسيرة، وألا ينسين دور الرائدات اللائي مهدن الطريق ناعما لكل هذا التحول؛ ليتوج بقرار سياسي ناضج وحكيم يعي تحديات هذه المرحلة وأولوياتها، على المرأة اليوم أن تتخلى عن لعب دور الدفاع دوما، الحق يمارس ولا يدافع عنه؛ فلا تقبل بدور الحلقة الأضعف.

نقطة التحول الحقيقية هي الثبات والاستمرارية، المرأة أقوى إن كانت تملك المهارات والمعرفة ومستقلة اقتصاديا، العامل الاقتصادي مرتبط بقرارات المرأة ولا يمكن الحديث عن الواحد منهما دونما استدعاء للآخر، وبالتالي دور الآباء هو غرس الأخلاق ومخافة الخالق في بناتهن ثم التمكين معرفيا واقتصاديا، ودور الأزواج الأذكياء أيضا تمكين زوجاتهم ماديا؛ فخير للأسرة ألا تكون الزوجة عالة على أحد إن حان أجل الزوج قبلها؛ فكم من الآباء والأزواج يفعل ذلك يا ترى؟

وأعود لفكرة الانتهاء، الرحيل، المغادرة.. ذلك الذي يشدنا إلى الدوائر الأرحب، أن الروح من أمر الله، وأن الجسد وعاء متروك، نساء ورجالا، وأن الله عدل حكم، فلا مجال لنسف غايات النفس البشرية، فالاحتفاء بالمؤنث يصدح مجلجلا في الأزمان الأخيرة نتيجة خذلان الأزمان الماضية، والهدف الأكبر هنا هو الاحتفاء بالمؤنث؛ لأنها نصف المجتمعات وتربي النصف الآخر، الاحتفاء بالمرأة هو احتفالية بالوضع الإنساني برمته الهدف هنا أنها خلقت لدور سام تؤديه على هذه الأرض وهو الاستدامة البشرية، والمحافظة على السلالة الإنسانية.

رحم الله أبي وأمي فقد وهباني جناحي فراشة أحلق بهما فخرا في مؤنث جميل لن تفهم الدنيا منه شيئا.

كل عام ووطني بخير، وعلى النساء الخير والسلام.

smileofswords@