ياسر عمر سندي

مساج العقل

الأربعاء - 08 مارس 2023

Wed - 08 Mar 2023

مثلما هي معظم أجزائنا التكوينية لأجسادنا الحيوية من عضلات وعظام ومفاصل وأعصاب تحتاج حينا بعد حين إلى تمارين الاسترخاء لتفكيك ذلك التشنج واستعادة الحيوية والنشاط باستخدام آلية المساج والتدليك الجسدي.

أرى أن ذلك ينطبق مجازا لو أردنا إسقاطه على قمة الجسد وهو العقل البشري باستخدام آلية المساج والتدليك الذاتي للتخلص من التشنج الفكري والتمسك بالطرق العتيقة التي لا تقبل المرونة والتكيف لدى البعض باعتقادهم أن ذلك هو الحق المطلق والصح المحقق؛ فلا هم أدركوا واقعهم الحالي ولم يتركوا فكرهم البالي، وبين ذاك وهذا يراوحون في أماكنهم ويفسدون على أنفسهم وغيرهم متعة العقل المرن.

هنالك أساسان لا نحيد عنهما أبدا؛ مصدرنا التشريعي الأول القرآن العظيم، ومصدرنا التشريعي الثاني سنة نبينا الكريم. وهو العلم النقلي وتفسيراته التي تحتاج لعمل ذلك العقل المتفتح بالرأي والرأي الآخر الذي أنتج لنا جواهر مذاهبنا الإسلامية الأربعة المختلفة بما يتوافق مع واقعهم المجتمعي آنذاك والذي يتطلب إعادة النظر فيما يتوافق مع واقعنا الاجتماعي المعاصر؛ فهنالك المطلق والمقيد من الأحكام والعام والخاص وكذلك التوقيفي والتوفيقي في تحليل بعض المسائل التي تهم البلاد والعباد.

أفلا يتفكرون؛ أفلا يبصرون؛ أفلا يعقلون تساؤلات استنكارية من رب البرية تدعو إلى تحريك حالة التيبس العقلي وحلحلة الانكماش الفكري؛ وأرى أن هنالك عدة أساليب للوصول إلى ذلك:

- الرؤية الواسعة والعميقة لمجريات الأحداث التاريخية والوقائع الراهنة والاستشراف المستقبلي.

- عدم الاستعجال بتصدير الألفاظ الطاردة والقطعية مثل ممنوع أو غير مقبول أو لا يجوز.

- التحاور والتشاور من منطلق «وشاورهم في الأمر».

- البعد عن العنصرية والحزبية العرقية والفكرية؛ لأنها مهلكة الانفتاح وبوابة التصلب.

- تنويع القراءات وتوليفة الثقافات من علوم القرآن والحديث واللغة العربية والتاريخ والأدب وعلم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد التي تساعد على حدوث الليونة والانسيابية.

- الوعي بأن القوة في ضبط النفس وامتلاكها عند الغضب ليس في الانتصار لها بالحرب.

- إعمال العقل هو النبش في خزنة الأفكار بإحداث العلاقات السببية الترابطية للماضي والحاضر والمستقبل بما يتوافق معنا ونتفق معه للواقع.

- البعد عن تبني الأفكار القديمة والتشبث بالعديمة والإيمان بالإثباتات العلمية الحديثة.

- افتراض الخير في الغير قولا وعملا مضمونا وشكلا.

- البعد عن الأحكام المسبقة بالفساد والشر على الغير لإحداث التغيير.

هنالك أمور تشريعية وأخرى مجتمعية من حيث الحدود والأخلاقيات التي تنتظر ذلك العقل الجمعي المرن والسهل فالقرآن الكريم يحتوي على 130 آية لتبيان الحدود مع الله؛ وهنالك 1504 آيات لتوضيح التعامل مع خلق الله.

عندما يأمرنا نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في الحج الأكبر بـ «افعل ولا حرج»، تسهيلا لأمته ويوجهنا برسالة ملؤها السعة بترك الحرية المقيدة في التصرفات المعيشية بقوله أنتم أعلم بأمور دنياكم.

العمليات العقلية العليا في المخ البشري كالفهم العام والإدراك التام تقود إلى الاستيعاب وتبدأ بخمس أدوات لإحداث المساج العقلي وهي لماذا؟ وماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وأين؟

فالله جل وعلا لم يخلقنا ليعذبنا بل أوجدنا ليرحمنا من خلال اختلافاتنا بالتيسير وليس خلافاتنا بالتعسير.

الحكمة تساوي الرشد في فلسفتها ومضمونها لاتخاذ القرارات وهي لا تأتي عبثا أو تنشأ بمحض الصدفة ولا هي بالخيال لكنها حية ملموسة تحتاج إلى ذلك الجدال الفعال فمن يجتهد يبحث عنها يجدها وهو الأحق بها؛ لأنها ترتقي إلى قمة الهرم المعرفي مثلما ارتقى خلفاؤنا في صدر الإسلام حتى أصبحوا راشدين بما نقلوه عن خاتم النبيين.

مساج العقل جلسة استرخاء ذاتية صحية أنصح بها.

Yos123Omar@