طلال الجنفاوي

الانتماء الوطني والقبيلة

الثلاثاء - 07 مارس 2023

Tue - 07 Mar 2023

من دون تسمية لمنطقة بعينها، لا زال البعض غارقا في سبات التاريخ القبلي (الصراعات والتناحر) البعيد عن الجانب المشرق من فضائل القبائل المحمودة، فالتفاخر في الحقبة الزمنية التي كان يسودها شريعة الغاب، لا يولد سوى الضغينة التي تزرع في نفوس الصغار وتكبر معهم، وقد يصح تسميتها بالتاريخ الغوغائي الدامي قبل أن تتوحد القبائل تحت راية الدولة والتي أرست ركائز الاستقرار ونشرت العدل بين كل الأطياف.

وفي مثل هدا التجانس تنهض الأمم وتدوم؛ فالغاية (إعلاء شأن الوطن) وأن نردد نشيد الوطن وليس (شيلات) القبيلة على حساب الحط من القبائل الأخرى، وهنا ينشئ شعور الانتماء الوطني، ويكون للقانون المنظم للحياة رهبة وهيبة.

فكرة خلع رداء التعصب القبلي تتمثل في بعض الصفات العدوانية المغروسة في أجيال فانية (وبقاياها الحاضرة).. فالأمر يستلزم عملا مكثفا من الدراسات، وعقد ورش العمل بإعلام وطني موجّه ضد كل ما يتعارض مع (راية الوطن)؛ لاستئصال ورم قد يرهق جسد الوطن.

وقد نستخلص من تلك الخطوات الجادة خارطة طريق تأخذنا إلى جيل واع خال من الشوائب والاعتقادات التي ينتج عنها الشقاق!

وقد تؤثر على مستقبل الكثير تحت سياق (الروح القبلية) كروح التجمعات المهنية المتعارف عليها في مجالات عدة كالطب والمحاماة والصحافة وغيرها القائم على دعم من يحمل نفس التخصص أو (اسم القبيلة) دعما مطلقا في السراء والضراء من دون النظر في المتضررين من هذه الروح على الجانب الآخر الذي قد يطلق عليه الخصم!

ولو أنه أحيانا نجد بعضا من الإيجابيات في الفكر القبلي مثل صلة الأرحام، ومساعدة المحتاجين، داخل القبيلة دون مساس بلواء الوطن.

والمخرجات التعليمية لدينا لابد من إعادة النظر في بعضها وإيجاد الأجوبة للعديد من الأسئلة المتكررة.. هل التعليم يهذب النفوس؟ هل نحن بحاجة لمزيد من المناهج الوطنية على غرار المناهج الدينية والعلمية؛ فلا تعارض بين هذه المناهج بلا شك.

لا نريد شخصيات عدوانية تنمو في مدارسنا وتخرج للساحة العملية مستقبلا حاملة فكرا لا يعترف بالتجانس في المجتمع الواحد، نريد تطوير من يوصل المعلومات في المنظومة التربوية، تطويرا في مهاراته وأسلوب خطابه، ولا بد من رفع قيمة التعليم التربوي بالتزامن مع الاهتمام الملحوظ في المناهج العلمية.

ولابد من زرع الانتماء الوطني بالجيل الحالي إن استطعنا، والقادم إجبارا، وجعله مقدما على ما دونه من انتماءات أخرى سواء طائفية أو قبلية أو فكرية، وسقيه بالمحبة وروح الصفح والمغفرة عن من ظلمنا، وإلقاء ذلك الرداء الأسود الداعي للتشاحن والفرقة بعيدا، وجعله من ذكرياتنا الماضية.

نحن هنا لا ندعو للتخلي عن مرجعيتنا القبلية، فهي بالأول والآخر انتماء لنا ومدعاة للفخر في مواضع كثر لما فعلة أجدادنا السابقون من أفعال تلزمنا بالافتخار بها من نشر للدين في القرون الماضية ومن أفعال تدل على صفات الكرم والشهامة الذي عرفوا به، دون النظر أو الرجوع لبعض التصرفات والحوادث التي تحرك روح (الأنا) أو تحرك المياه الراكدة من سرد قصص ورد بها التشاحن والبغيضة بين أطراف من قبائل مختلفة لظروف خاصة أحيطوا بها في ذلك الوقت كرها وليس طوعا، والدعوة للعودة للأخذ بالثأر إن لزم الأمر ولو كان ذلك بالأخذ والرد بالألفاظ المرفوضة دينا وعقلا وأدبا بين المتسامرين في سرد تلك القصص.

إن هيبة القانون في دول العالم الأول وبعض الدول النامية في العالم الثالث لأمر يلزمنا بالأخذ بكل ما يسهل ويساعد ترسيخ تلك الهيبة في مجتمعنا لما في ذلك من إيجابيات عدة من أهمها التهميش المتصاعد مع الوقت للعنجهية القبلية والمرجعية وأثر ذلك سيكون جليا على مجتمعنا في كافة نواحيه الثقافية والتعلمية بل والنفسية أيضا.

aljanfawi_talal@