أحمد الهلالي

مصطلح الإعلام الجديد حماسة أكثر من اللازم!

الثلاثاء - 07 مارس 2023

Tue - 07 Mar 2023

منذ نشأة الإعلام الحديث، بفروعه المقروءة والمسموعة والمرئية، وخطوات تطور الوسائل الإعلامية مستمرة، ومع ثورة الاتصالات واكتشاف البث الفضائي انفتحت النوافذ بين العالم وقصرت المسافات، ثم بدخول الإنترنت أصبح العالم بلا نوافذ ولا جدران خاصة مع الدفق المعلوماتي الرهيب عبر منصات التواصل الاجتماعي التي أهلت كل حامل جوال لنشر المعلومة في لحظتها.

هذه التوطئة تتجه إلى أننا لسنا إزاء حقبتين إعلاميتين، حتى نطلق على إحداها (تقليدية) ونجترح للأخرى مصطلح (الإعلام الجديد)، فقد شاعت هذه التفرقة وكثر التنظير حولها، وأصبحت إحدى ركائز الملتقيات الإعلامية، وكأننا أمام عالمين منفصلين لا تماس بينهما، ثم اختلف أشياع مصطلح الإعلام الجديد فأخذوا يركضون خلف ضبابية المصطلح، فمرة يسمونه التفاعلي، ومرة الرقمي، وأخرى الاجتماعي، والشبكي، وإعلام المعلومات، والإعلام البديل.

وإذا دققنا النظر فليس ثمة إعلام تقليدي، ولا إعلام جديد، كل ما في الأمر أن تقنيات الإنترنت وتطبيقاتها دخلت الحقل الإعلامي، كما دخلت حقول الاقتصاد والعلوم والاتصالات والأمن والثقافة وغيرها، وليست طارئة على حقل الإعلام، فقد سبقتها تقنية الفاكس، حين كان الإعلامي يعتمد على البريد في إرسال مادته الإعلامية إلى الصحيفة، وباكتشاف الفاكس صار يرسلها من هاتف مكتبه، والآن أصبح يرسلها من الجوال، أو يرفعها على موقع الصحيفة مباشرة، ومثلها دخول تقنية البث الفضائي إلى التلفزيون فانتشرت القنوات الفضائية، وخرج التلفزيون من سيطرة الحكومات إلى الشركات ورجال الأعمال، واتسعت دوائر انتشاره، وقس على ذلك دخول تقنية الإنترنت بكل أدواتها المختلفة.

دخلت الإنترنت الحقل الإعلامي وطورت أدواته، كما دخلت أنظمة المصارف، والتعليم، وأنظمة الوزارات والمصالح والهيئات والشركات الحكومية والخاصة، فيسرت الكثير من الأعمال، وعلى اعتماد التفرقة الاصطلاحية سيصبح لدينا عالم تقليدي بكل أدواته القديمة قبل الإنترنت، وعالم جديد بكل أدواته الحديثة بعد الإنترنت، وهذا في رأيي ناتج عن تحفز المنظرين، وحماستهم للمستقبل بكل أبعاده، وبلا شك فإن القادم أكثر وأكبر، والإسراف في المصطلحات، سيدخل الإعلاميين في مصطلحات ما بعد الإعلام الجديد، وما بعد ما بعد الإعلام الجديد، كما فعل منظرو الحداثة.

من جهة أخرى، سارع بعض المنظرين إلى اعتبار مواقع التواصل الاجتماعي بأنواعها إعلاما جديدا، وحجتهم في ذلك أن أفرادا ومؤسسات تنشر أخبارها وتغطياتها وتبث برامجها من خلالها مباشرة، لكن تلك المنصات الاجتماعية ليست كذلك، فهي وعاء حاوٍ لكل أنواع المحتوى وأشكاله، الإخباري والثقافي والاجتماعي والرياضي والترفيهي، ولكل المنصات الإعلامية (الصحف والمجلات والإذاعات والقنوات التلفزيونية) حسابات عليها، فلا أعتبرها إعلاما جديدا بقدر ما هي فضاءات مترامية الأطراف لكل صنوف المحتويات، قلصت المسافات بين الباث والمتلقي، لكنها لا تملك أدوات الإعلام الحقيقي.

نعم استطاعت منصات التواصل الاجتماعي كسر طوق النخبوية، وأصبح لكل مؤسسة ولكل إنسان نافذة تصغر أو تكبر تبعا للمحتوى الذي يبثه، فوسعت دوائر التلقي، وزادت من تنوعها، وقلصت مساحة احتكار المعلومة، ورفعت سقف الحرية الإعلامية، لكن المؤسسات الإعلامية بادرت إلى استثمارها فدشنت حساباتها عبرها، وحظيت بمتابعات مليونية، وظلت كما كانت هي المصدر الأول للمعلومة الخبرية، ذلك أن الفيصل في الإعلام ينحصر في المهنية والمصداقية والثقة، وهذا يقل في الحسابات الأخرى من خارج المنظومة الإعلامية مهما كانت قوتها، وإن حظيت الأخيرة بالسبق، لكنه سبق منقوص لضعف المهنية والثقة، وما قيمة الوسيلة الإعلامية إذا احتاجت إلى تمحيص كل معلومة أو خبر تبثه؟!

وخلاصة القول، لست مع حمى مصطلحات الإعلام التقليدي والجديد، فكل الأمر أن الإعلام تطور بفضل التقنيات الحديثة، كما تطورت أنظمة المؤسسات الأخرى، وستظل المؤسسات الإعلامية هي المصدر الموثوق للمعلومة، التي يمكن العزو إليها بثقة، ما جعل حساباتها وروابطها ومقاطعها وصورها أدلة رائجة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسلك المعلومة الإعلامية الصادرة عن غيرها في فضاءات الظن، وضرورات التثبت.

ahmad_helali@