عبدالله مشرف المالكي

الفيل الذي وصفه العميان

الاثنين - 06 مارس 2023

Mon - 06 Mar 2023

لا جدال أن السعادة أحد أكثر أحلام الإنسان قدما، سعى إليها منذ عصوره الأولى، وبحث في جوهرها الفلاسفة والأدباء، وتحدث فيها علماء الأديان في كل الثقافات، ومع ذلك، لم يتفق الناس بعد على معنى واحد للسعادة، مما جعلها كالفيل الذي وصفه العميان، فعبر كل واحد منهم عن الجزء الذي عاينه، دون أن يدرك أن لجسم الفيل بقية.

إذا كنا كبشر لم نتفق على تعريف جامع مانع للسعادة، فما جدوى بحثنا عنها طيلة أعمارنا؟ لماذا نرغب أن تكون حياتنا العاطفية سعيدة دائما؟ وكذلك حياتنا المهنية، والاجتماعية، والأسرية... إلخ؟

إن حرص الإنسان على أن يكون سعيدا أدى إلى أن تصبح السعادة نفسها مجرد سلعة تباع ويسوّق لها من قبل البشر الأكثر ذكاء، هؤلاء الذين نجحوا في تحويلها إلى بضائع ومنتجات يُدفع من أجل الحصول عليها، فالملاحظ أنه خلال القرن الماضي تحديدا ابتكر المعلنون والشركات فكرة أن السعادة تتطلب من الإنسان أن يستهلك، وأن شراء سلع بعينها تمنح المرء هذا الشعور السحري بأنه سعيد ولا يشبه التعساء من بني جلدته.

راقب إعلانات السيارات الأغلى ثمنا، الهواتف، تجمعات الصفوة السكنية، الوجهات السياحية، المطاعم، وجميع دعايات الماركات التجارية العالمية، تجد أنها ترسخ لمفهوم واحد، أن الحصول على منتجها ينقل المشتري إلى حالة ذهنية ونفسية مختلفة، أو «تجعله سعيدا».

وهذا ما عبر عنه بصدق وأمانة الفيلسوف الفرنسي جان بودريار، حينما أشار في كتابه «المجتمع الاستهلاكي» إلى أن الاستهلاك لم يعد وسيلة لتلبية الاحتياجات بل وسيلة للتميز، إنه أسلوب المجتمعات الرأسمالية التي تؤدي فيه الزيادة في الإنتاج إلى تكاثر المنتجات المستهلكة، ومن ثم خلق احتياجات ورغبات جديدة، وكأن المنتج لم يكن سوى قرص سعادة مؤقت، يزول أثره بظهور الرغبة والاحتياج الجديد.

هل يجب أن نكون سعداء طيلة الوقت؟

في رأيي أن السعادة المطلقة أكذوبة تتنافى مع طبيعة الحياة، وقدر بني آدم على هذه الأرض، فالله وصف حياة الإنسان بأنها (كبد) أي شاقة ومتعبة، ثم إن الحياة الهنيئة طوال الوقت تصنع إنسانا رخوا، يهرب من المسؤوليات والتحديات، وعيشة ذات بعد واحد، تشجع على الأنانية والأثرة.

إن الحياة التي تؤتي الشخص كل ما يطلبه، تنزع في ذات الوقت منه تذوق معاني إنسانية عظيمة مثل الكفاح، والتضحية، والإيثار، وتقدير البذل والعمل، والجهد، إنها حياة مملة رتيبة، تحرم أصحابها حلاوة النجاح بعد الفشل، والوصول بعد التعثر، والوصل بعد الهجر، والقوة بعد الضعف.

لا بأس أن تبحث عن السعادة، ولكن لا تحبسها في صيغة واحدة، ولا تقيد معناها في مفهوم بعينه، واعلم أن كل راض سعيد، وكل ساخط تعيس.