عزاءات المثقفين
الاثنين - 06 مارس 2023
Mon - 06 Mar 2023
هل هناك ما يمكن وصفه بأنه أمر محبط للمثقفين؟ هل يصاب المفكر والمثقف بما يصاب به الآخرون من مصائب لكنها تحمل صبغة ثقافية مؤلمة يحتاج لعزاءاتها، هل يرى المثقف والمفكر ما لا يسره في المشهد الثقافي وتقتله الحسرة فحسب، هل يرى أنه مهضوم، أو على الأقل أن الفكر الذي ينتمي إليه لم يلتفت إليه أحد، أم أن بعض المفكرين والمثقفين يشعرون بالغربة والتوحد في حاضرة المشهد الثقافي المحلي أو غربة في بيئتهم المحلية، أم أن المثقفين لا يتعرضون لما يتعرض له غيرهم، وبرغم أن الإجابة واضحة وجاهزة وتكاد تكون مقولبة بالإجابات الظاهرة، فإن ثمة عزاءات واضحة لحال المثقف والمفكر المكلوم في فكره وثقافته ويجب علينا أن نستحضرها حتى تكون عونا له في مواجهة ما يلقاه ممن هم حوله، وإن كان هذا لا يعني بأي حال من الأحوال -أو بالضرورة على الأقل- إدانة للمجتمع أو للمشهد لكنه على الأقل بعض العزاءات التي تليق بالمثقفين والمفكرين.
مات كبار المثقفين ولم يحتف بهم أحد، بل من احتفى به من بعدهم ولعل أسهل ما في الأمر شواهد التاريخ تشهد أن «ديفيد هيوم» طبع من كتبه النزر اليسير ولم يلتفت إليه أحد حتى تلقى «كانط» كتابه فأيقظه من دوغمائية الفكر الفلسفي التقليدي فأنتج أعظم كتاب في التاريخ، بل إن كبار الفلاسفة والمفكرين مات ولم يعلم بهم أحد من قومهم حتى تلقاه من بعدهم - فيا ليت شعري - لو عرفوا بحجم تقدير الناس لهم الآن.. والأمر أكثر من أن يحصى، فإن أنتج المفكر والكاتب والمفكر فلعل عزاءاته تتلخص بـ: لعل من يأتي من بعده فيحتفي به (إن كان إنتاجه كما يزعم يستحق الاحتفاء)، أما إن كان مجرد شعور داخلي لا أكثر فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض!
فيما ينقل عن سقراط قوله، «ويل لرجل سبق عقله زمانه»، ولعل هذه الأخرى هي من عزاءات الثقافة أيضا، فإن سبق عقلك زمانك فلا بد أن تجد من سفهاء المتطفلين على العلم والثقافة من يقلل من قدرك ويحط من علمك ولا يحتفي في إنتاجك فلا تبتئس بما يقولون والله خير عوض لك وعقلك الذي سبق غيرك عزاؤك، فلا يهز هذا من ثقتك فحتما إنتاجك العلمي سيشهد لك!
ومن عزاءات الثقافة أن الثقافة خاضعة بطبيعتها لثوراتها العلمية، ويوما ما قتل أحد العلماء؛ لأنه قال الأرض تدور حول الشمس وليس العكس، وإننا لسنا إلا جزءا من منظومة عالمية لسنا مركزها، وإن لم تتوافق ثورتك العلمية ثورة العلمية اللحظة فلا تبتئس فهذا لأنك لم توافق زمنا آخر ربما يوافق غيرك بنور من علمك فيشهد لك فيما سبق لك!
ومن عزاءات الثقافة أن المثقف هو نبي العلم وهناك من الأنبياء من بعث ومعه الرهط ومن معه الرجل والرجلين وبعث أنبياء وليس معهم أحد، أليست هذه طبيعة الناس الذين تركوا منطقة الراحة وراحوا يسعون وراء الإنتاج والعلم والبصيرة والاستبصار وتعليم الناس، فأي عزاء لا يحمل عزاءات كعزاءات الأنبياء، إن لم يحملك هذا على أن تتفهم أنك لست بحاجة لأحد بل الناس بحاجة لك لو كانوا يفقهون!
أخيرا، يمكنني القول بأن المثقف عزاؤه نفسه، وأنه إن ركن يركن لعقله وإنتاجه العلمي، وإن كان ثمة نافذة مغلقة فإن ثمة نوافذ مفتوحة، وإن أوهام النافذة الواحدة التي يسيطر عليها مجموعة من الناس ليست هي كل النوافذ الممكنة، فإن أغلقت القنوات العامة فلا عذر لمثقف وهو يرى أن ثقافة المحتوى العام من خلال عشرات الطرق - منها مواقع التواصل الاجتماعي ومنها الطرق التقليدية وغيرها - تفتح مجالها للجميع فكن منها!
Halemalbaarrak@
مات كبار المثقفين ولم يحتف بهم أحد، بل من احتفى به من بعدهم ولعل أسهل ما في الأمر شواهد التاريخ تشهد أن «ديفيد هيوم» طبع من كتبه النزر اليسير ولم يلتفت إليه أحد حتى تلقى «كانط» كتابه فأيقظه من دوغمائية الفكر الفلسفي التقليدي فأنتج أعظم كتاب في التاريخ، بل إن كبار الفلاسفة والمفكرين مات ولم يعلم بهم أحد من قومهم حتى تلقاه من بعدهم - فيا ليت شعري - لو عرفوا بحجم تقدير الناس لهم الآن.. والأمر أكثر من أن يحصى، فإن أنتج المفكر والكاتب والمفكر فلعل عزاءاته تتلخص بـ: لعل من يأتي من بعده فيحتفي به (إن كان إنتاجه كما يزعم يستحق الاحتفاء)، أما إن كان مجرد شعور داخلي لا أكثر فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض!
فيما ينقل عن سقراط قوله، «ويل لرجل سبق عقله زمانه»، ولعل هذه الأخرى هي من عزاءات الثقافة أيضا، فإن سبق عقلك زمانك فلا بد أن تجد من سفهاء المتطفلين على العلم والثقافة من يقلل من قدرك ويحط من علمك ولا يحتفي في إنتاجك فلا تبتئس بما يقولون والله خير عوض لك وعقلك الذي سبق غيرك عزاؤك، فلا يهز هذا من ثقتك فحتما إنتاجك العلمي سيشهد لك!
ومن عزاءات الثقافة أن الثقافة خاضعة بطبيعتها لثوراتها العلمية، ويوما ما قتل أحد العلماء؛ لأنه قال الأرض تدور حول الشمس وليس العكس، وإننا لسنا إلا جزءا من منظومة عالمية لسنا مركزها، وإن لم تتوافق ثورتك العلمية ثورة العلمية اللحظة فلا تبتئس فهذا لأنك لم توافق زمنا آخر ربما يوافق غيرك بنور من علمك فيشهد لك فيما سبق لك!
ومن عزاءات الثقافة أن المثقف هو نبي العلم وهناك من الأنبياء من بعث ومعه الرهط ومن معه الرجل والرجلين وبعث أنبياء وليس معهم أحد، أليست هذه طبيعة الناس الذين تركوا منطقة الراحة وراحوا يسعون وراء الإنتاج والعلم والبصيرة والاستبصار وتعليم الناس، فأي عزاء لا يحمل عزاءات كعزاءات الأنبياء، إن لم يحملك هذا على أن تتفهم أنك لست بحاجة لأحد بل الناس بحاجة لك لو كانوا يفقهون!
أخيرا، يمكنني القول بأن المثقف عزاؤه نفسه، وأنه إن ركن يركن لعقله وإنتاجه العلمي، وإن كان ثمة نافذة مغلقة فإن ثمة نوافذ مفتوحة، وإن أوهام النافذة الواحدة التي يسيطر عليها مجموعة من الناس ليست هي كل النوافذ الممكنة، فإن أغلقت القنوات العامة فلا عذر لمثقف وهو يرى أن ثقافة المحتوى العام من خلال عشرات الطرق - منها مواقع التواصل الاجتماعي ومنها الطرق التقليدية وغيرها - تفتح مجالها للجميع فكن منها!
Halemalbaarrak@