محمد مسفر الشردان

شلل في الأطراف السفلية

الاحد - 05 مارس 2023

Sun - 05 Mar 2023

هذه سلسلة أحكي فيها بعض المشاعر التي تختلج الطبيب أو الجراح في تعاملاته اليومية مع المرضى، من تفاؤل وإحباط ويأس واستلهام.

أقدمها عن طريق قصص واقعية حصلت لي أثناء الابتعاث، وتم إخفاء الأشياء التي تدل على المريض بعينه للحفاظ على خصوصية المريض.

«صباح الخير يا دكتور، لا أستطيع أن أحرك رجلي اليمنى وليس عندي شعور في الرجل اليسرى»، كانت هذه الجملة التي صبحني بها مريضي في اليوم التالي من عملية تمت له في العمود الفقري، وهذه هي القصة:

لتوي أنهيت اختبار جراحة المخ والأعصاب، لا أعرف النتيجة بعد لكني سعيد جدا أنني انتهيت من الاختبار.. ذلكم الاختبار الذي يحمل تقرير المصير لست سنوات من التدريب الشاق والمرهق، الاختبار الذي يحمل كل معاني الغربة، غريب في الدار واللغة والمكان والمعلومات.. المهم سعيد جدا أنني انتهيت من الاختبار وهم المذاكرة قد زال عني.

جاءني اتصال من إحدى الممرضات، كاثي، بدأت أنا وكاثي في مستشفى أوتاوا في السنة نفسها، وكانت من أفضل الممرضات في التعامل معي ومع المرضى، لا شك عندي أن كثيرا من نجاحي كانت كاثي وزميلاتها طرفا فيه، أهلا كاثي كيف حالك وكيف حال شيكاغو؟

كاثي لتوها انتقلت إلى شيكاغو للعمل، أهلا محمد هل عندك وقت الآن أتكلم معك؟ هل هذا الوقت مناسب؟

بالطبع، ما الأمر؟ أجيبها متوجسا صوتها الذي يوحي بأن هناك مشكلة أعظم.

كنت قبل سنة قد ساعدت في عملية لجد كاثي وكانت ناجحة جدا، وخلال السنة الكاملة كان بخير، هل أصابه شيء؟ هل يحتاج تدخلا جراحيا آخر؟ برقت هذه التساؤلات في ذهني وأنا أنتظرها لتخبرني ما الأمر.

أتاني صوتها من الطرف الآخر يخبرني أنها قلقة على أبيها، أخبرتني أنه سبق له أن أجرى عمليتين في الظهر قبل خمس سنوات والآن هو في ألم شديد، ثم بكت، وتريد أن تساعده ولا تستطيع.

هدأت من روعها وسألتها أين يقطن أبوها؟ أخبرتني أنه في مدينة خارج أوتاوا، لا بأس الأمور أسهل مما تتصورين، أرسلي لي تأمينه الطبي وأنا أرتب له موعدا معنا، هكذا حاولت طمأنتها بدون الاستفسار بشكل أكبر عن حالة والدها مخافة أن أنكأ جرحا لست بقادر على التحكم فيه.

أرسلت لي صورة بطاقة والدها الصحية وانتهت محادثتنا لتلكم الليلة.

في الصباح مررت على مكاتب الاستشاريين، ذهبت إلى استشاري أثق فيه، استأذنت وسلمت عليه وقلت له عن القصة.

سألني ما هي مشكلته؟، لم أكن أعلم عن الحالة وصفا كافيا فأخبرته بما أعلم، رجل في الستينات من عمره أب لممرضة سابقة، يشتكي من ألم في ظهره وقدميه بعد عمليتين سابقتين.

قال لي: لا أدري يا محمد هذا المريض من خارج أوتاوا ولا ندري ما هي مشكلته بالتمام لست متأكدا أننا نستطيع مساعدته.

طلبت منه أن يسمح لي أن أطلبه للمراجعة في العيادة وأنا الذي سيقوم بمعاينة المريض وتقرير خطة علاجية ثم مراجعتها معه، قلت له لن يكلفك ذلك شيئا سيكون كل العمل من وقتي ومن جهدي.

وافق على مضض.

أرسلت لها موعدا بعد أسبوع وطلبت أن تسأل والدها أن يحضر كل التقارير والأشعة السابقة.

حضر مايكل إلى المستشفى في يوم الثلاثاء صباحا قادما من مدينة تبعد عن أوتاوا 6 ساعات تقريبا.

دخلت العيادة لرؤيته، رجل في الخمسينات من عمره ضخم الجثة، مكتنز الوجه بدون سمنة واضحة على جسمه، له عارض خفيف يصبغه بالسواد ويبدو أنه قد صبغه قريبا إذ أن بعض أثر الصبغة لا تزال في وجهه، تجاعيد وجهه تحكي تجهما قد استمر معه لفترات طويلة حتى خط تلكم التجاعيد.

رحبت به وأخبرته كم أنا ممتن لابنته التي ساعدتني كثيرا خلال أيام التدريب خصوصا في بداية تدريبي، رأيت تهللا في أسارير وجهه الذي كساه الألم المستمر لكنه سمح بابتسامة رضا أن تخرج على استحياء.

الآن لنتكلم عن المشكلة، قلت له ذلك وأنا أهم بأخذ السيديهات والأوراق من يده، أخبرني يا سيد مايكل ما الذي جاء بك هنا؟

ما الذي تخفيه هذه السيديهات، وما هي حقيقة شكوى هذا المريض، وهل أتمكن من مساعدته أم سأقف عاجزا أمام مرضه الذي أثقل كاهله، هذا ما سنعرفه في المقال القادم بإذن الله.