عبدالله السحيمي

في حارة السحمان

الخميس - 02 مارس 2023

Thu - 02 Mar 2023

مرت وكأنها أيام.. مرت وكأنها دقائق ولحظات.. مرت وكأنها ومضة وغابت.

يقول شوقي: دقات قلب المرء قائلة له.. إن الحياة دقائق وثواني.

مسيرة كانت كشريط ذكريات يمر أمامي، والأحداث تتوالى، تتجدد وكأنها وليدة اللحظة أتوقف عندها وكل ما فيها يمثل لي قيمة وذكرى ومكانة وموقفا ورفاقا وأقارب.

نسير ونمضي ونتعلم ولا نعرف أقدارنا لكن كل ما نعلمه أننا نطمح، نرغب، نتمنى، نعيش، كل يوم بولادة أمل جديدة وروح تتجاوز المفهوم الواقعي إلى خيال نتجاوز فيه حدود المعقول والممكن.

ولدت على أرض استقبلت النبي صلى الله عليه وسلم، ولدت في أرض تحتضن مسجده وأصحابه وزوجاته، ولدت ونحن نصحو وننام على أذان مسجده، كرامة تبقى في نفسي وأنا أحظى أن أكون في شهر رمضان الكريم حاضرا وفي ليلة بدر وأيام فيها ليلة القدر وأعظم انتصارا حققه المسلمون في غزوة بدر.

كل هذه الكرمات تأتي وفيها انصهار للشعور والمشاعر.

كان حينا نشعر بقيمته ومكانته وهو يردد قوة الاسم في مخيلتنا حي السحمان وحارة السحمان وحي أحد ومسميات متجددة لكنها بقيت باسم هذا الحي الذي عشنا به حياتنا كحي ينتابنا فيه الشعور الآمن والمسكون على ضفاف أحباب رسمنا ورشفنا وجمعنا وتذكرنا حبه ومكانته رغم بساطة إمكاناته.

من أقدم الأحياء الشعبية في المدينة المنورة ومن أقربها إلى المسجد النبوي الشريف كان يمتد إلى الحرم النبوي الشريف بشارع ما زلت أذكره يضيق بالسيارة الواحدة وكانت تحيط به مزرعة الشريف التي أذكرها وأنا طفل والتي تحولت فيما بعد إلى مخطط سكني قائم.

وإلى مدرستنا العريقة والتي تعد من أوائل المدارس في المدينة المنورة مدرسة السيد عباس السقاف والتي نخطو إليها مشيا يوميا، وكان يديرها حتى تخرجت منها المربي الفاضل الأستاذ عبدالله رافد الأحمدي رحمه الله رحمة واسعة، وكان شخصية تربوية شديدا على الطلاب ويملك ثقة أولياء الأمور يملك هيبة وقيمة ومكانة وبعض المعلمين الذين أذكر منهم محمد ظاهر الجهني وعبدالحميد غبان ومنير الردادي وغيرهم رحم الله من توفي منهم والذين لا نملك لهم إلا الدعاء.

كانت المدرسة متنفسا لنا وكنا في فترة النشاط المسرحي، وكنت أفضل النشاط المسرحي وأعشق المشاركة في الإذاعة المدرسية وكان بعض المعلمين يعاقبني بحرماني من المشاركة الإذاعية بعكس أقراني الذين تتم معاقبتهم بحرمانهم من الحصة الرياضية، وأيضا من الأحداث التي لا ننساها هروب وغياب بعض الطلاب عن الإذاعة الصباحية، ومن الأشياء التي لا أنساها وجود مكتبة مدرسية في كل فصل ووثقت علاقتنا بها، وكنت قد ارتبطت بحب القراءة والكتابة بأخي محمد عويض السحيمي - رحمه الله - الذي وافته المنية وهو في شبابه وكنا نتبادل القراءة ونتحدث طويلا، وهناك بقالة أنشئت لشخص أمام مسجد الجربوع الذي كن نصلي به وكنا نلتقي في هذه البقالة وهي الوحيدة التي تبيع الصحف وكانت قيمتها ريالا واحدا وكان يصعب شراؤها وكنا نتبادل المساهمة إن كانت ظروفه المالية ممتازة تكفل بها والعكس كذلك، وقد مرت سنوات على ذلك وكنا في أوقات نختلي للقراءة رغم اللوحات التحذيرية، ممنوع قراءة الصحف إلى غير ذلك مما يصلنا من زجر ونهر وكلمات قاسية وتهديد لمنعنا.

ذات يوم نشرت أحدى الصحف خبرا يقول: ممنوع الضرب في المدارس. أخذنا القصاصة ونوينا أن ننشرها، لأن أستاذنا ومديرنا رحمه الله كان يحاسبنا في التأخير وحتى المصروف المدرسي إذا زاد عن حده يتابعه ذلك.

وقد هممت في حالة العقاب أن أبرز له هذه القصاصة التي تمنع في حينها وزارة المعارف الضرب وقد صادف ذلك أننا تأخرنا وقد رفضت العقاب البدني وزجرني وأخرني وقال: «روح للإدارة» وبعد أن أنهى عقاب الطلاب المتأخرين ولن أنسى معاونيه العم منير ومبروك وأخذت عقابا خاصا نذرت على نفسي عدم التأخر أو اصطحاب أي قصاصة بعد أن اقتنعت في حينها بعدم مصداقية الصحيفة.

كنا رفاقا صغارا أجمل ما فينا أننا ننسى ما فينا سريعا أمام الموقف الجميل الذي يرفع همتنا، وكان من سعادتنا حينما يذكر اسمك المعلم وتصيبك حالة من الفرح وكنت من أوائل الطلاب الذين نالوا نصيبا حيث كنت أجد نفسي من أكثر من يقدم خدمات للمعلمين خاصة في القيام بمهام كتابة الأسماء في المسودة والمبيضة، وذلك ربما لأنني كنت أمتاز بحسن الخط وهو الذي قدمني على غيري من أقراني.

رحم الله من رحل من معلمينا ومن الرفاق الذين أبعدتنا السنون عنهم وبقيت الذكريات مستنطقة من حي السحمان الذي بقي بآثاره يروي ويذكرنا رحلة بقيت وانتهت على أطلال الذكريات.

Alsuhaymi37@