هند علي الغامدي

اللغة العربية كنز العالم

الثلاثاء - 28 فبراير 2023

Tue - 28 Feb 2023

قرأت مؤخرا كتاب «اللغة العربية كنز فرنسا» للكاتب جاك لانغ بالتعاون مع فكتور سلامة، وقد ترجمه إلى العربية الأستاذ الدكتور معجب الزهراني، وراقني هذا الإعجاب الواضح لدى الكاتب باللغة العربية، وتقديره لها، ولثرواتها، وسحرها وجمالها، وتأثيرها في اللغة الفرنسية، ودعوته المتكررة إلى ضرورة إدخالها ضمن النظام التربوي التعليمي في فرنسا، وإعطائها المشروعية الكاملة التي تستحقها بجدارة؛ بل إنه وصفها في آخر كتابه بأنها كنز العالم وليس فرنسا فقط.ولكنه نبّه إلى عدم حصر دوافع تعلم اللغة العربية في الدافع الديني، وهذا الأخير يسري على كل اللغات في نظره؛ حيث يرى أن تعلم أي لغة هو بوابة الدخول إلى حضارة أهلها وثقافتهم، وزيادة البوابات والنوافذ التي يرى الإنسان من خلالها العالم بكل تنوعاته وثقافاته وحضاراته، وهو يحقق إلى جانب ذلك عددا من المكاسب العلمية والعملية؛ بل والصحية أيضا؛ حيث ينشط تعلم عدة لغات الإدراك، ويؤخر الإصابة بمرض الزهايمر إلى عدد من السنوات كما أثبتت الأبحاث والتجارب؛ لأن الانتقال بين عدد من الأنظمة اللغوية يعد رياضة عقلية ممتازة.

وكان يؤكد في خضم حديثه عن العربية عدم ربطها بالدين، أو بالإرهاب، أو ببعض متحدثيها من الإرهابيين أو المتطرفين أو المتعصبين؛ لأن اللغة العربية لا تمثلهم ولاهم يمثلونها.

ولا شك أن اللغة لا علاقة لها بجنايات أصحابها ومتحدثيها؛ فهذا أمر متفق عليه، وكذلك الدين الإسلامي لا علاقة له بجنايات من ينتمون إليه؛ فربط جناياتهم بالإسلام أو بالقرآن ثم ربط ذلك باللغة العربية هو أكبر جناية يرتكبها غير المنصفين؛ لأن أمر ربط اللغة بالدين، والدين فقط؛ يختلف مع اللغة العربية؛ فعدم ربط اللغة العربية بالدين الإسلامي أمر يكاد يكون مستحيلا في ظل كونها لغة القرآن الكريم رسالة الله للعالمين إلى يوم الدين.

والحقيقة أنني تذكرت أثناء قراءة الكتاب مقالا كتبته قبل فترة، عنوانه: «هل نحن متعصبون للغة العربية؟»، وتساءلت في نفسي لو أن الكاتب قرأ مقالي؛ ماذا كان سيقول والمقال كله يذكّر بأهمية اللغة العربية بوصفها لغة القرآن، وأهمية تعليم اللغة العربية وتعلمها وإتقان مهاراتها في فهم الدين الإسلامي، وفي قراءة القرآن وإقامة الصلاة بآياته الكريمة، وقراءة الحديث النبوي الشريف وفهمه وحفظ أذكاره وأوراده الخاصة والعامة، وفي سلامة الإفتاء في الدين... إلى غير ذلك من الأمور الدافعة لتعلم العربية؟

استوقفني هذا الأمر، وكدت أتراجع خطوة إلى الوراء لولا أنني تذكرت أن كل شخص يتحدث عن اللغة من المنطلق الذي يؤمن به، ومما تمثله له لغته واللغات الأخرى، والكاتب أيضا يتحدث من منطلق علمي وتربوي، ولكن، ومع الإقرار بأهمية الاحتكام إلى العلم وما وصلت إليه اللسانيات اليوم بشأن منطلقات تعلم اللغات والعناية بها؛ إلا أن اللغة التي تشرفت بكونها لغة الكتاب الخالد آخر الكتب السماوية الذي بعث به خاتم الأنبياء والمرسلين إلى العالم أجمع وإلى أن تقوم الساعة، لابد أن تكون لها أهمية مختلفة عن أهمية بقية اللغات، ولابد أن يكون لتعلمها وتعليمها ونشرها وتمكينها منطلقات مختلفة عن منطلقات تعليم أي لغة أخرى، على الأقل لمن يدرك معنى أن تكون «لغة القرآن».

وهذا لا يعني أن أهمية اللغة العربية ودواعي الحفاظ عليها وتمكينها تقتصر على هذا المنطلق، وإلا لقال قائل: فلنقرأ القرآن ولنفهم السنة ولنقم الصلاة وأركان الإسلام بما لا يقوم إلا باللغة العربية، ثم لنعش حياتنا ونمارس أنشطتنا باللغة التي نريد، أو على وجه الدقة باللغة التي اختارها العالم، أو الواقع اليوم، أو التي تفرضها العولمة، ونعيش بها؛ محققين المكاسب الدينية من جهة، والمكاسب الاقتصادية والعلمية والعملية من جهة أخرى، ولكن كلا؛ فقيمة اللغة العربية إلى جانب القيمة الدينية ودواعي تعلمها وطنية وعربية وعالمية، سياسية، واقتصادية، وعلمية، وثقافية، وحضارية.

وتذكرت أيضا أن الجهود التي تقوم بها المملكة العربية السعودية في حفظ اللغة العربية ونشرها وتأمينها وتمكينها تنطلق أولا من مكانة اللغة العربية بوصفها لغة الوحيين؛ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن مكانتها بوصفها بلاد الحرمين الشريفين مهبط الوحي، ولن يستغرق الأمر جهدا ولا وقتا لتبين ذلك من خلال استعراض سريع لخطاب ملوك هذا الوطن وأمرائه وقادته ومسؤوليه الذي يؤكد دوما على مكانة اللغة العربية بوصفها لغة القرآن وواجبنا نحوها، وعلى رأسها كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- في اللغة العربية والنعمة التي امتن الله بها على العرب حين أنزل القرآن على نبي عربي، في أرض عربية، بلغة عربية، وتشريف اللغة العربية بالقرآن الكريم، وتأكيده على هذه القيمة العليا للغة العربية إلى جانب كونها لغة ثقافة وحضارة وإبداع وثراء ووطن وهوية.

وجالت في خاطري تلك الكلمات الخالدة، وتلك الجهود العظيمة التي يبذلها هذا الوطن وأبناؤه في سبيل خدمة اللغة العربية؛ بوصفها أولا لغة القرآن الكريم، كل ذلك وأكثر بدد قلق المكان، وطمأن المقال إلى موافقته الحقيقة في أن ربط حب اللغة العربية، وتعلمها وتعليمها، وتمكينها بالقرآن الكريم والسنة النبوية والدين الإسلامي، في بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية، هو المنطلق الأول والأسمى لكل الجهود المبذولة في العناية بالعربية، وتحقيق أمنها الوطني والعربي والإسلامي والعالمي.

hindalimg@