أحمد الهلالي

عيد الشعر الكبير!

الثلاثاء - 28 فبراير 2023

Tue - 28 Feb 2023

أهلا بعام الشعر، وعام الشعراء، فهذه اللفتة الموفقة من مجلس الوزراء تؤكد العناية الكبرى للقيادة الرشيدة بموضوع الهوية، وحمايتها من الذوبان والتلاشي، فاستحضار المكونات الرئيسة للهوية العربية، ومنها الشعر، يعيد الأنظار إلى تاريخ الأمة المجيد، لربطه بحاضرها الزاهر، ليس نكوصا وردّة كما تعودنا من نابشي مقابر التاريخ ودعاته، وإنما استدعاء واعٍ هدفه تعزيز الحضور، وترسيخ الهوية، وإضاءة الطريق إلى الأمام.

إذا كانت بلادنا هي مهد الإسلام الأول، فهي أيضا مهد الثقافة العربية الأول، نبتت فيها القصيدة العربية الأولى، حتى وإن ولدت شابة نضرة مكتملة البناء والجمال، فعلى هذا الثرى مشى شعراء المعلقات، وأمراء البيان العربي، وعبر هذا الأثير كان الحداء يحيي الوهاد والتلال والجبال والشطآن، وظل فحول الشعراء يتسابقون من كل فج عميق إلى حاضنة الشعر الكبرى (عكاظ)، وما كانت القبيلة تباهي بفرسانها ولا قادتها ولا كهانها كما كانت تباهي بشعرائها، فأمجادهم مكبولة إن لم تجرِ بها قدم الشعر، ويلهج بها لسان شاعر، فهو إذاعتهم الأولى، وعلى حسب مقدرته تعمر المجالس بذكرهم وذكر مآثرهم.

وقد تبوأ الشعر مكانة متقدمة عند رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، فكان حسان بن ثابت رضي الله عنه وزارة دفاع شعرية للدعوة، ظل ينافح عن الإسلام ونبيه بدعم من المصطفى الكريم، وكان للشعر شأنه عند الخلفاء الراشدين، وعند العلماء، وقد فسر به حبر الأمة عبدالله بن عباس القرآن الكريم، وهكذا استمر الشعر على ثرى جزيرتنا العربية مقدما في كل شؤونهم، وفاكهة مجالسهم، فلم يخل منه مجلس، ولا منبر، حتى منبري الحرمين الشريفين، وما يزالان عامران بأبيات الشعر حسب الحاجة والمقام.

ونحن أبناء أولئك الماجدين، لم تخبُ جذوة الشعر في أرواحنا، نتغنى به صباح مساء، مخزون ثقافتنا منه بنوعيه الفصيح والنبطي يتزاحم على أبواب القول، نفرح بمناسباته، ونجل قائليه ونقدمهم، يحضر في كل مناسباتنا السعيدة والحزينة، وكأنه الملاذ للأرواح، حتى مجالس قيادتنا الحكيمة ومناسباتها الرسمية تتخذ الشعر رونقا على عادة العرب الأوائل، وتفسح - رغم اكتظاظ موضوعاتها - للشعراء وقتا يزينون اللقاءات ببدائع الشعر، ولا مجال في هذه العجالة للاستشهاد بما يعرفه القراء ويحفظون منه الكثير.

عام الشعر، هو بهجة لنا جميعا، لا فرق فيها بين ابتهاج الشعراء ومتذوقي الشعر ومحبيه، نرجو فيه ألا يكف الشعراء عن التغريد على أغصان دوحة الوطن الباسقة، وأن تتضافر جهود الجميع لإبراز مكانتنا الثقافية والشعرية المستحقة، وأن تبادر الجهات في وزارة الثقافة ووزارة السياحة وإمارات المناطق وأماناتها، والمؤسسات الثقافية والأكاديمية والتعليمية إلى تحقيق ذلك من خلال المناسبات الشعرية بأنواعها، وإحياء الأماكن الشهيرة لشعراء العرب الأوائل، لتكون مزارات سياحية ثقافية، تحيا فيها الأمسيات الشعرية والقراءات ولقاءات الشعراء، وهذا العام مناسب لأن نرى منحوتات وتماثيل ترمز لكبار شعراء العربية، وميادين وشوارع رئيسة ومجمعات ثقافية تحمل أسماءهم.

عام الشعر، فرصة لالتقاء الشعراء السعوديين بشعراء العرب والعالم، من خلال الفعاليات والملتقيات، ومن خلال الترجمة، ومن خلال الفنون البصرية والدرامية والتعليق الرياضي التي تتصل بالشعر السعودي حسب الحاجة والمقام، وأن نسمع أغاني من روائع الشعر العربي القديم والحديث، ومسرحيات كمسرحية (معلقاتنا امتداد أمجاد)، ومن المهم أن نخلد هذا العام على كل إصدار شعري تصدره المؤسسات الثقافية ودور النشر.

عام الشعر فرصة لأن تراجع المؤسسات الأكاديمية موقفها من الأدب الشعبي شعرا ونثرا، وأن توجه الباحثين إلى تعميق النظر في مدونتنا الأدبية الشعبية، وفرصة أيضا لأن تتبنى وزارة التعليم فرض مادة الأدب السعودي مقررا عامّا لكل طلاب الجامعات، ليكون بستانا تستظل بوارفاته ذوائق الأجيال، وتحيا رموز الأدب السعودي في ذواكرهم، بما يحمل من قيم وطنية وحضارية وثقافية.

باسمي وباسم الشعراء ومحبي الشعر، نرفع أسمى آيات الشكر إلى مقام والدنا خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، ووزارة الثقافة، وأختم بقول الشاعر غازي القصيبي:

نفطٌ يقول الناس عن وطني

ما أنصفوا، وطني هو المجدُ

ahmad_helali@