هتون أجواد الفاسي

على درب السيدة زبيدة.. خبب خيلنا

الثلاثاء - 28 فبراير 2023

Tue - 28 Feb 2023

من درب السيدة زبيدة حيث مشيت ودرجت.. أكتب الجزء الأول من هذه الكلمات، بعد أن خضت تجربة اجتياز جزء من دربها على الخيل، وفي ذكرى التأسيس التي تزامنت مع رحلة مختصرة من أربع ليال وثلاثة أيام، نظمتها جمعية دروب المنظمة لقوافل درب زبيدة السابقة.

بدأت رحلتنا من (فيد) وانتهت إليها بعد المرور بأم هروج، الغريبات، وحتى توز، قطعنا خلالها سبعين كيلومترا كل على وسيلة من وسائل النقل (القدمان، العجلتان، أربعة جمال وأربعة خيول). اجتمع خلالها عدد كبير من الوجوه الصديقة التي تزاملت معها خلال السنتين الماضيتين، وأخرى جديدة سعدت بالتعرف إليها ومشاركة تجاربها. كالعادة كان هناك ممثلون لكل مناطق المملكة، وعدد محدود من الأجانب، وتنظيم احترافي من شباب وشابات حائل، بقيادة اللواء الدكتور عبدالعزيز العبيداء وضيافته كذلك.

أصبح تجمع قافلة درب زبيدة عبارة عن مجتمع خاص، له طقوسه وتقاليده ومساره ولغته، وأيضا أفكاره الإبداعية الجديدة التي بدأت بطلب متنزه الزعفران البري في (فيد) ليكون نقطة انطلاق القافلة، واستجابة جميلة من نائب أمير منطقة حائل، سمو الأمير فيصل بن مقرن بن عبدالعزيز. فتم تأهيله واستغلال موقعه الجميل المدمج مع جبل القفيل البركاني في وقت قصير، ليكون منطلقا لقافلتنا يوم التأسيس. وأمضينا الليل في وحداته السكنية وفي خيامنا الشخصية لمن رغب، وقد تحول المتنزه إلى ورشة عمل.

أمضينا تلك الليلة في ضيافة بلدية (فيد)، حيث أقيمت فعالية في ظل مصابيح جبل القفيل الذي يوصل إليه جسر يعبر الوادي الذي كللته أزهار الخزامى أو شبيهتها البنفسجية.

كانت الأمسية تعارفية تصدّرها عدد ممن سيتحدثون خلال مسيرة الدرب كنت إحداهن/م، حيث علقت على ما يعنيه درب زبيدة للنساء، وما تعنيه مشاركة النساء لمشروع قافلة درب زبيدة من إضافة وإثراء تُحسب للمبادرة.

يوم الانطلاق كان يوم الصعود على ظهر حصاني الذي اخترته من بين الأحصنة الإنجليزية الخمسة القادمة من تبوك، حيث وقع اختياري على كسّاب، لا لشيء بذاته لكن لأنه وصف بأنه لا بالحار ولا بالهامل، فتناولت خطامه وأخذت أمشي به في المساحة المواجهة للمتنزه حيث نزلت الأحصنة والجمال، ثم امتطيته، وأخذت أجرب المسير به في المنطقة حتى طُلب منا أن نصعد إلى مقدمة المكان، حيث تجتمع الركائب والدراجون وجزء من المشاة، لننتظر قدوم الأمير وقد بلغت الساعة الثامنة.

لم أكد أصفّ بجانب ياسمين ويزيد حتى وجدت كسّابا يجمح بي فجأة منطلقا بسرعة جنونية تبلغ في إحساسي سرعة برقية، وهو يتجه إلى مخرج الطريق مرورا بالدراجين الذين اصطفوا على الجانب الأيمن، وأنا لا يسعني سوى أن أحاول بكل ما أوتيته من خبرة سابقة ومعلومات سنوات متراكمة، في كيف يُسيطر على الحصان حتى أبقى على ظهره، بينما هو ما يزال منطلقا في عدو وركض يتسارع بشدة. وبعد مرور زمن بدا لي دهرا وربما كان دقائق أو ثوانٍ، استسلم، وتوقف، وتنفس عشرات المشاركين والمنظمين والشرطة والأمن والسُّيّاس المنتشرين في أنحاء الساحة، الصعداء وهم يروني أنزل من على ظهر الحصان بقدميّ بكل هدوء لآخذ خطامه وأسير به مرة أخرى من وراء الجمع إلى محل التجمع، والجميع يحمّد لي بالسلامة بين ذهول وعدم تصديق، لأقف مرة أخرى وقد نزلنا جميعا عن خيولنا والركائب لحين وصول سمو نائب أمير حائل، ثم اتجاهه إلى منطقة الاحتفال حتى نعيد تنظيم كل شيء من جديد، ونتجه إلى نقطة بداية الانطلاق بعد أن عبرتها سيارته وانتهت بذلك الرسميات.

بدأت بعد ذلك الرحلة الطويلة التي استغرقت 32 كيلومترا، بين مسير وخبب وعدو مسيطر عليه. كان جزء من بداية الطريق أرضا ربيعية مذهلة في خضرتها على مد الأفق، مع تدرج ألوان الرمال والجبال، وهي تتخلل المساحات الربيعية المترامية بلا حدود في لوحة تنتظر ريشة الفنان/ة التي تبحث عن إلهام.

وفي منتصف المسار توقفنا عند مزرعة خير الله الشمري في أم هروج، وعند إحدى الآبار القديمة التي يُعتقد أنها تعود لزمن الدرب.

لكن تكملة الطريق بعد الاستراحة كانت أصعب من البداية، حيث استأنس كسّاب نزوله بالمزرعة والراحة التي استشعرها هناك، فأخذ يحاول بعد كل عدة أميال أن يقف ويستدير دورة كاملة ليعود إلى المزرعة.

كانت لحظات عصيبة تلك التي تعالج فيها عناد حيوان يحاول أن يفرض إرادته على سيدته التي لا تقبل بأي هزيمة أمام إنسان فما بالنا بحيوان، وهكذا حتى اقتنع بأنه لا سبيل له بالعودة أدراجه، وأن عليه أن يقبل بالأمر الواقع، ويستمر تحت أمري وفي صحبة بقية الجياد من رفقائه.

وما زال حديث الدرب لم ينته.