عبدالله سعود العريفي

تهميش وتطفيش

الاثنين - 27 فبراير 2023

Mon - 27 Feb 2023

يبحث الإنسان في جميع أنحاء العالم عن محيط عمل صحي يرتاح فيه ويراعي كرامته ويعامله باحترام ويحفظ حقوقه بسماحة وارتياح؛ فيكون مكان العمل وبيئته أكثر إنسانية ويصبح الموظفون أكثر قدرة على رعاية أنفسهم والتعامل بأريحية وتركيز الطاقات في العمل دون اضطراب أو توتر أو تضييق أو ضغوط نفسية، وقد أصبحت بيئة العمل الصحية مبتغى أصليا ومرادا أساسيا ومطلبا رئيسا في وقتنا هذا، وللأسف الشديد هناك من بيئات العمل بيئات عمل طاردة للإبداع والابتكار؛ فلا تبحث عن التطوير والنمو لكافة الأفكار والإبداعات المتوافرة ولا تتجاوز الطرق التقليدية في التفكير ولا تستعمل الخيال لتطوير وتحسين وتعديل وتكييف الآراء؛ لأن تلك البيئات الطاردة تعشق الروتين والذي عندما يتحول إلى نمط تفكير؛ فإنه يقتل طبيعة الإبداع.

فلا تهتم تلك البيئات بالإتقان ولا تُبالي بالبراعة ولا تُحفز على الإنتاجية التي تقيس كفاءة الفرد بل تُعزز الإحباط وتُرسخ الفشل وتُرسي الهزيمة وتستخدم وسيلة التهميش والإبعاد خارج السياق وعدم إعطاء أهمية كأداة لتطفيش كل من هو ناجح وإحباط كل من هو بارع، والتهميش والتطفيش مصطلحان اثنان لواحدة من أكبر العوائق والعقبات والصعوبات الإدارية شيوعا وأغلبها انتشارا وأكثرها سوءا وأضخمها بشاعة، وما أسوأ أن يُصدم موظف مخلص أو عامل جدير بالثقة أثناء رحلته العملية بعقبة من عقبات التهميش أو مأزق من مآزق التطفيش!

وحينما يتم ذلك التهميش وعندما يحصل هذا التجاهل في الشارع، وعندما يحدث ذلك التناسي في طريق عام؛ فذلك ولا شك تصرف محرج يسبب شعورا بالانزعاج الشديد ولكن حين يتم التهميش ويحصل التجاهل في العمل؛ فإن مكان العمل يكون غير مريح وتكون بيئة العمل سامة؛ فيسيطر على الموظف التفكير المليء بالرهبة والتوتر؛ وذلك أمر لا يورث في الإنسان الأسى والنكد والحزن والألم فقط بل لعله يسوقه للشعور بالقلق ويدفعه للخوف والانفعال؛ لأن ذلك التهميش والتجاهل والاستبعاد يُلقي به في مجموعة من المخاوف والأخطار التي تُشكل تهديدا لمستقبله ويطرحه في جمع من التخيلات والتصورات المتتابعة.

ويأتي سلوك ذلك التهميش متمثلا في عدم الاهتمام بإعطاء أي حوافز وعدم العناية بمنح أي مكافآت مادية أو معنوية؛ لأنه أساسا لا يتم باعتبار أنه يقوم بعمل يستحق الدعم أو يستحق التأييد ولا يتم ملاحظته أو الإشارة إلى أنه يبذل الكثير من الجهد ويُعطي المزيد من الدأب وبالتالي لا يتم الاهتمام ولا يتحقق الاعتناء ولا يتأكد الاكتراث؛ فيكون التهميش ومن بعده التطفيش، وذلك – بلا شك - يؤثر سلبيا على الأداء المستقبلي ويُسهم في ضعف ونقص الإنتاجية وبالتالي يُقلص فرص تحقيق الأهداف التي حددتها المنظمة مسبقا ويتسبب في تراجع الكفاءات وتدهور القدرات وهروب الخبرات وانتقال الموظفين المتميزين وهو أمر يُعتبر باهظ التكاليف ومحيرا بشكل كبير ويعكس عدم انتظام المنظومة ويوحي بحدوث خلل بها يُسبب تعثرا وهدرا للجهود، وهذا التسرب وذلك الهروب خارج المنظمة يُسبب ضررا بالغا للمنظمة ذاتها وسمعتها ومصداقيتها، وحينما تجد منظمات الأعمال المنصفة موظفا ذا موهبة وإبداع وتفوق ونبوغ واهتمام ويكون متلهفا للعمل؛ فإنها تعيش أفضل مراحلها والتي يُصبح فيها ذلك الموظف قيمة مضافة للعمل ومنظومته.