اللغة القضائية لصياغة الحكم
الأحد - 26 فبراير 2023
Sun - 26 Feb 2023
لا يختلف اثنان بأن الحكم عنوان الحقيقة وكلمة الفصل في النزاع بين الخصوم، وبما أن الأمر بهذه الأهمية كان لزاما أن يصاغ الحكم القضائي بلغة واضحة وفكر قضائي سليم، ولقد تحدثنا في مقالات سابقة عن الأحكام القضائية وآثارها وغيرها من الموضوعات التي تمس الحكم القضائي وأحكامه، ولم نكتب مقالا سابقا عن اللغة القضائية لصياغة الحكم؛ لأن مثل هذا النوع من الموضوعات يكون تخصصا دقيقا لا يفهمه سوى مختصين من السادة القضاة وغيرهم من رجال العدالة ولكن لا يمنع من أن نطرح الموضوع بصورة مبسطة حتى يفهم القارئ للحكم القضائي ماهية اللغة التي يتحدث بها القاضي في بناء منطوق حكمه دون لبس أو غموض.
إن اللغة القضائية شأنها شأن بقية اللغات الأخرى مثل لغة التشريع ولغة القانون ولغة الفقه، وهي وسيلة للتعبير عما يجول في فكر القاضي وإخراجه إلى واقع مادي يسطره في الحكم القضائي، فالقاضي يبذل غاية جهده للوصول إلى وجه الصواب في القضية غير أن عليه بعد ذلك أن يعبر عما انتهى إليه من رأي بلغة مستندة إلى النصوص الشرعية النظامية، يترجم قناعته في الفصل بالنزاع المطروح بين يديه، وهذا ما يسمى باللغة القضائية.
يتفق المختصون بأن لا قيمة للفكر الذي ينتهي إليه القاضي بدون لغة يعبر بها عن هذا الفكر؛ فباللغة ينتقل يقين القاضي من دائرة الاقتناع النفسي إلى الفكر المحسوس الذي يمكن إدراكه وتفسيره والوقوف عليه.
كما يعد الحكم القضائي كل ما صدر من القاضي سواء كان شفاهة أو مكتوبا فاصلا لنزاع بين متخاصمين على جهة الإلزام، وهذا القول الصادر من القاضي يتسم بنكهة خاصة تتمثل في حسن اختيار اللفظ ودقة المعنى المقصود والوضوح في صياغة مفردات الحكم، لأن مناسبة الكلمات المستخدمة لمعنى الكلمة ومطابقتها للفكرة المراد التعبير عنها ينبغي أن تكون هي السمة المميزة للغة التي يكتب بها الحكم القضائي عن غيرها من لغات القانون، بمعنى أدق هي وضع الألفاظ في مواضعها وحين لا توضع الألفاظ في موضعها تضطرب الأذهان وحين تضطرب الأذهان يطلق على الحكم بأنه مشوش لا يستقيم فهمه ولا تنفيذه!
ونعود إلى ما أشرنا إليه من أن حسن اختيار اللفظ ودقة دلالته على المعنى في الحكم القضائي؛ فلا يمكن تجاهله بأي حال من الأحوال، لأن وظيفة القضاء الفصل في الخصومات وإنزال حكم محله بإثبات الحق أو نفيه أكان الحق متعلقا بالأموال أو الأنفس أو الأحوال الشخصية.
على السادة القضاة أن تكون صياغتهم للأحكام على درجة عالية من الوضوح مما يتوجب عليهم أن يختاروا العبارات الواضحة والتي لا يشوبها غموض أو إبهام، وهذا لا يكون إلا باختيار القاضي الألفاظ الدالة على المعنى الذي يقصده، وعلى ذلك يكون الغموض والإبهام في لغة الأحكام عيبا من عيوب صياغة الأحكام القضائية فضلا عن أنهما يعدان سببا من أسباب إلغاء الحكم عند الطعن فيه، والوضوح في أسباب الحكم أحد الاعتبارات الهامة لبث الطمأنينة في نفس الخصوم.
كما أن الوضوح في صياغة الحكم القضائي هو أمر واجب ابتداء وانتهاء، ابتداء في صدور الحكم القضائي، وانتهاء بتنفيذه، لأن في حالة حصول غموض في الحكم القضائي فإن ذلك يوجب على المحكوم عليه مفاتحة محكمة الموضوع لإزالة غموض الحكم المنفذ من خلال طلب تفسير الحكم، وبهذا نصت المادة 172 من نظام المرافعات الشرعية بأنه إذا وقع في منطوق الحكم غموض أو لبس جاز للخصوم أن يطلبوا من المحكمة التي أصدرته تفسيره ويكون ذلك بصحيفة وفقا للإجراءات المعتادة لرفع الدعوى.
ختاما، فإن حاصل القول أن اللغة القضائية هي وسيلة لترجمة فكر القاضي وأداتها الاستخدام الصحيح لألفاظ الحكم القضائي من خلال انتقاء الألفاظ الدالة على القصد من الحكم بعبارة خاصة ودقيقة بعيدا عن العموم، واختيار الألفاظ الواضحة غير المشوبة بالغموض والإبهام وكيفية استخلاص الأحكام من النصوص مع حسن الإشارة إليها.
expert_55@
إن اللغة القضائية شأنها شأن بقية اللغات الأخرى مثل لغة التشريع ولغة القانون ولغة الفقه، وهي وسيلة للتعبير عما يجول في فكر القاضي وإخراجه إلى واقع مادي يسطره في الحكم القضائي، فالقاضي يبذل غاية جهده للوصول إلى وجه الصواب في القضية غير أن عليه بعد ذلك أن يعبر عما انتهى إليه من رأي بلغة مستندة إلى النصوص الشرعية النظامية، يترجم قناعته في الفصل بالنزاع المطروح بين يديه، وهذا ما يسمى باللغة القضائية.
يتفق المختصون بأن لا قيمة للفكر الذي ينتهي إليه القاضي بدون لغة يعبر بها عن هذا الفكر؛ فباللغة ينتقل يقين القاضي من دائرة الاقتناع النفسي إلى الفكر المحسوس الذي يمكن إدراكه وتفسيره والوقوف عليه.
كما يعد الحكم القضائي كل ما صدر من القاضي سواء كان شفاهة أو مكتوبا فاصلا لنزاع بين متخاصمين على جهة الإلزام، وهذا القول الصادر من القاضي يتسم بنكهة خاصة تتمثل في حسن اختيار اللفظ ودقة المعنى المقصود والوضوح في صياغة مفردات الحكم، لأن مناسبة الكلمات المستخدمة لمعنى الكلمة ومطابقتها للفكرة المراد التعبير عنها ينبغي أن تكون هي السمة المميزة للغة التي يكتب بها الحكم القضائي عن غيرها من لغات القانون، بمعنى أدق هي وضع الألفاظ في مواضعها وحين لا توضع الألفاظ في موضعها تضطرب الأذهان وحين تضطرب الأذهان يطلق على الحكم بأنه مشوش لا يستقيم فهمه ولا تنفيذه!
ونعود إلى ما أشرنا إليه من أن حسن اختيار اللفظ ودقة دلالته على المعنى في الحكم القضائي؛ فلا يمكن تجاهله بأي حال من الأحوال، لأن وظيفة القضاء الفصل في الخصومات وإنزال حكم محله بإثبات الحق أو نفيه أكان الحق متعلقا بالأموال أو الأنفس أو الأحوال الشخصية.
على السادة القضاة أن تكون صياغتهم للأحكام على درجة عالية من الوضوح مما يتوجب عليهم أن يختاروا العبارات الواضحة والتي لا يشوبها غموض أو إبهام، وهذا لا يكون إلا باختيار القاضي الألفاظ الدالة على المعنى الذي يقصده، وعلى ذلك يكون الغموض والإبهام في لغة الأحكام عيبا من عيوب صياغة الأحكام القضائية فضلا عن أنهما يعدان سببا من أسباب إلغاء الحكم عند الطعن فيه، والوضوح في أسباب الحكم أحد الاعتبارات الهامة لبث الطمأنينة في نفس الخصوم.
كما أن الوضوح في صياغة الحكم القضائي هو أمر واجب ابتداء وانتهاء، ابتداء في صدور الحكم القضائي، وانتهاء بتنفيذه، لأن في حالة حصول غموض في الحكم القضائي فإن ذلك يوجب على المحكوم عليه مفاتحة محكمة الموضوع لإزالة غموض الحكم المنفذ من خلال طلب تفسير الحكم، وبهذا نصت المادة 172 من نظام المرافعات الشرعية بأنه إذا وقع في منطوق الحكم غموض أو لبس جاز للخصوم أن يطلبوا من المحكمة التي أصدرته تفسيره ويكون ذلك بصحيفة وفقا للإجراءات المعتادة لرفع الدعوى.
ختاما، فإن حاصل القول أن اللغة القضائية هي وسيلة لترجمة فكر القاضي وأداتها الاستخدام الصحيح لألفاظ الحكم القضائي من خلال انتقاء الألفاظ الدالة على القصد من الحكم بعبارة خاصة ودقيقة بعيدا عن العموم، واختيار الألفاظ الواضحة غير المشوبة بالغموض والإبهام وكيفية استخلاص الأحكام من النصوص مع حسن الإشارة إليها.
expert_55@