عبدالكريم محمد العمري

يوم التأسيس والدولة العربية

الخميس - 23 فبراير 2023

Thu - 23 Feb 2023

إنه القرن الثامن عشر، حيث كان الشرق من أدناه إلى أقصاه غارقا في نوم عميق، وسرى الضعف في كيان دوله وشعوبه، وعم الجهل أبناءه وسكانه واستسلموا للأمر الواقع، كانت البلاد العربية تخضع لسيطرة الدول العثمانية مشمولة بسيادة الباب العالي تتلقى منه الأوامر والتعليمات، فالعراق كان خاضعا للدولة العثمانية يتولاه "باشا" يبعثه السلطان ويقيم في بغداد، أما الشام فكان هنالك باشاوات أتراك يقيمون في المدن والعواصم الكبرى، ومصر كانت خاضعة للمماليك الذين يتوارثون حكمها في ظل سيادة اسمية تحت ظل الدولة العثمانية مقابل إتاوة سنوية يؤدونها لها، ولم تكن حالة اليمن تختلف كثيرا فلقد كان هنالك "باشا" تركي في صنعاء يسيس الأمر وينفذ قرارات إسطنبول.

أما الجزيرة العربية فبعد خروج عاصمة دولة الخلافة الراشدة من المدينة المنورة بدأ الاهتمام يتناقص بالجزيرة العربية خصوصا في منطقة وسط الجزيرة العربية، حتى انقطع الاهتمام بها في أواسط القرن الثالث الهجري في عصر الضعفاء من العباسيين الذي كان فيه ولوج الأتراك في التحكم بمصنع القرار في بغداد العباسية، الذي انتهى بها الحال بدخول المغول إليها، ومنذ ذلك الحين انقطع وجود العرب من المشهد السياسي.

كانت البلاد العربية كلها تعيش وسط ضباب كثيف من الجهل، والتعليم يوشك أن يكون مفقودا ومعدوما وكان عدد الذين يقرؤون ويكتبون داخل المدن لا يتجاوز العشرات. أما الاقتصاد ومشروعاته فلا وجود لها، ومثله الأمن فلقد كان مفقودا، وزاد حينها الإقبال على البدع والخرافات ومطاردة الوهم، ولم يكن هنالك دولة عربية واحدة ذات سيادة تحكم برأيها مستقلة بقرارها.

وفي خضم هذا الظلام ومن وسط نجد من إمارة الدرعية بزغ النور، جاء الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى بمشروعه الوحدوي فكان أول صوت يرتفع في العالم العربي يدعو إلى الإصلاح والنهضة، هذا الكيان السياسي الذي سرعان ما انضوت تحته البلاد الشاسعة من الحديدة جنوبا حتى حوران شمالا ومن مسقط شرقا حتى البحرالأحمر غربا، وفي هذا قالت الليدي آن بلنت في كتابها "رحلة اإلى بلاد نجد" "إنها أول دولة عربية تنشأ بعد عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتوحد تحت رايتها جزيرة العرب على أساس من العدل والتنظيم الإداري المحكم"، نعم فلقد كانت أول دولة عربية مستقلة ذات سيادة.

أمنت طرق التنقل والتجارة مما أعاد الحركة الاقتصادية التي كانت منقطعة، زاد الحراك العلمي والثقافي بفضل الأمن والاستقرار الذي وفرته هذه الدولة، فقد كانت الدرعية منارة للعلم والعلماء، وانتشرت المدارس في مختلف مناطق الجزيرة وزادت حركة الحرف والصناعات اليدوية. ذاع صيت هذه الدولة في الأصقاع وسار بخبرها الركبان وسرت أخبار النهضة الجديدة في البلاد العربية واندفعت في مقاومة الاحتلال والسعي لإحلال حكم عربي محله، ومصدر ذلك كله تلك الشرارة التي بزغت من نجد فأنارت السبيل أمام العرب في مصر والشام وغيرها، فيقول أمين سعيد في كتابه "تاريخ الدولة السعودية" "إنه على آثار تأسيس الدولة السعودية الأولى قامت حركة قومية في فلسطين قادها الشيخ ظاهر العمر فقاتل الترك وهزمهم وسيطر على عكا وغزة وطبريا ويافا وغيرها، وإلى جانب ذلك قامت حركة علي بك المملوكي في مصر وسوريا محاولا فيها طرد الترك واستعادة حكم المماليك"، فلقد كانت مصدر الهام وشعاع للحرية في العالم العربي.

ختاما ومما لاشك فيه بأن الدولة السعودية الأولى هي من أدخلت العرب إلى المشهد السياسي المعاصر وجاءت بمفهوم الدولة القومية واستشعار قيم المواطنة، وانطلاقا من استشعار قيادة هذه البلاد بوجوب استحضار أمجاد الماضي لاستشراف المستقبل جاء الأمر الملكي الكريم بأن يكون 22 فبراير من كل عام إجازة رسمية تحت مسمى يوم التأسيس ليستذكر فيه أبناء هذه البلاد عراقة بلادهم وأصالة هذه الدولة.