عبدالله أحمد الزهراني

ذكرى التأسيس والإرث النفيس

الثلاثاء - 21 فبراير 2023

Tue - 21 Feb 2023

من نعم الله على هذه البلاد الطاهرة المباركة أن قيض لها هذه الأسرة الماجدة الكريمة الشجاعة الحكيمة لتولي قيادتها في وقت كانت الاضطرابات والانقسامات تعصف بالعالم وتنهش في جسد العالم العربي خصوصا، فالاستعمار الأجنبي من جهة والنزاعات الداخلية والانقسامات من جهة أخرى، الأمر الذي أدى لتفاقم الجهل والتخلف وانتشار النهب والسلب وتفشي الفقر والمرض.

ولا شك أن انعدام الأمن والأمان، والفساد بكل أشكاله من أهم الأسباب التي أدت لتفاقم تلك الحال المزرية واستفحالها وتجذرها في العالم العربي، ولنا في بعض البلدان حاليا شواهد.

ونحن إذ نحتفل بتأسيس هذه الدولة الزاهرة هذا العام في ظل هذا الازدهار والتقدم والرخاء والرغد، يجب أن نتذكر ما عاناه الأجداد وما بذله المؤسسون لتحقيق هذه المكانة التي نعيشها اليوم ولله الحمد والمنة، وأن نجسد في هذه الذكرى العزيزة معاني الوفاء لتاريخ هذه البلاد المجيد، وأن نجدد الولاء لقادتها منذ الإمام المؤسس -رحمه الله- إلى الملك سلمان -حفظه الله- مرورا بالأئمة والأمراء والملوك الذين تعاقبوا على قيادة هذه الدولة الماجدة كابرا عن كابر بحكمة واقتدار، وكأن الشاعر السموأل يصفهم بقوله:

إذا سيد منا خلا قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول.

ومن باب الوفاء والولاء يجب ألا تنسينا حياة الرفاهية والترف وسعة العيش ودعته ما بذله الأولون من غال ورخيص وما خاضوه من معارك وملاحم وما واجهوه من مكائد وفتن وما سطروه من تضحيات وبطولات في سبيل الوصول لما نحن فيه الآن، ومما يحتمه علينا الوفاء ويمليه رد الجميل والإنصاف أن نقارن بروية بين مرحلتين ما قبل وما بعد التأسيس لنستلهم العبر والدروس لا نحافظ على المنجزات المكتسبة وحسب بل لنزيد عليها بما يضمن استدامتها - بإذن الله - ويكفل حياة آمنة وكريمة للأجيال المقبلة.

وعليه، فإذا ذكرنا الأمن والأمان الذي نعيشه الآن فيجب أن نقارنه بالخوف والنهب والسلب القديم، وإن ذكرنا الازدهار والرخاء والنمو الاقتصادي فلنذكر الفقر وشظف العيش، وإذ نفخر بالتقدم العلمي والعمراني فيجب ألا ننسى الجهل وبدائية العمران، ولنقارن سهولة التنقل والسفر بمشقة الترحال، والحالة الصحية الممتازة بكثرة الأمراض والأوبئة، وبالمختصر فالرفاهة والترف الحاضرة كادت تكون من الأحلام مستحيلة التحقق لولا لطف الله وتسخيره هذه الأسرة الكريمة لحكم هذه البلاد.

وعليه يجب ألا تخلو الاحتفالات والفعاليات المقامة بهذه المناسبة بتذكير الماضي وشكر للحاضر وتخطيط للمستقبل ليفهم جيل الشباب ويعتبر وأن ما نحن فيه الآن ما كان ليكون لولا فضل الله وتوفيقه ثم تلك التضحيات الجسيمة والهمم العالية والطموح الجبار والقيادة الرشيدة.

وحبذا لو تكون هناك أعمال فنية تجسد هذه المقارنات بأعمال إبداعية لتبث في وعي الجيل الحالي والقادم مقدار وحجم ما نعيشه من رخاء واستقرار ولتشحذ عزائمهم لا للحفاظ على المنجزات المحققة بل والعمل على تطويرها وصيانتها ومواصلة البناء لتتحقق التنمية المستدامة الشاملة في ظل الرؤية الموفقة 2030، وأعلم يقينا أن الشعب السعودي الهمام أهل لذلك. ولعل المتوكل كان يتكلم بلسان الشعب السعودي عالي الهمة الذي شبهه سمو ولي العهد في علو همته بجبل طويق الشامخ، قال المتوكل الليثي:

لسنا وإن أحسابنا كرمت ممن على الأحساب يتكل

نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا

وقد كان للملك عبدالعزيز - رحمه تعالى - تعديل في الشطر الثاني من البيت الثاني مما يدل على علو همته وقوة عزيمته حيث ونفعل (فوق ما فعلوا) وذلك في حوار رواه الأديب أمين الريحاني.

ولاحظنا جميعا في الاحتفالية الأولى في العام الماضي تهافت المحتفلين على الملابس التقليدية الشعبية للرجال والنساء، وكانت تجربة ثرية وفاعلة لتعريف النشء بملابس الآباء والأجداد، ولكن أتمنى أن تشمل الاحتفالات مستقبلا ما هو أكبر وأوسع وأشمل من ذلك.

وختاما أرجو أن تكون احتفالاتنا بيوم التأسيس مؤطرة بالذوق العام والآداب والأخلاق الكريمة للشعب السعودي المستمدة من ديننا الحنيف والمتوارثة عن أجدادنا الكرام، بعيدا عما يشوبها مما ترتكبه أعداد قليلة من الخروج عن الذوق والتسبب في إزعاج الآخرين أو الحاق الضرر بالممتلكات العامة والنظام، وهي سلوكيات كانت تمارس في الاحتفالات الوطنية سابقا، ولكنها بدأت بالانحسار في ظل الوعي والمراقبة من الجهات المعنية بحفظ النظام. ولنذكر دائما أنه بالشكر تدوم النعم، وبالاستقرار تعلو الأمم، وبالمثابرة نعلو القمم.

@raheenalzain