عبدالحليم البراك

مراحل الوعي

الاثنين - 20 فبراير 2023

Mon - 20 Feb 2023

يمكن الحديث عن الوعي كمرادف للإدراك والفهم، ولكنه يبدو معنى أشمل وأعم، إذ إنه حالة متقدمة من حالات الإدراك والفهم، بل وأكثر فاعلية على مستوى وعي الإنسان حتى نكاد نقول إن الإنسان هو الكائن الواعي الوحيد! إذ ينقله من مجرد العلم والإحاطة والإدراك، إلى مرحلة الوعي فيه المفضي للتعامل الإيجابي معه، ويمكن أن يكون الوعي سلبيا أو إيجابيا، والأمر مرتبط بمقدار موافقة الوعي للحالة الحقيقية، إذ إن ثمة وعي زائف ووعي حقيقي، ويمكن أن يقال عن الوعي الزائف أنه ليس وعيا لكنه شعور بالوعي.

وتبدأ لحظات الوعي بالشعور، وهي حالة يبعد فيها الوعي عن الإدراك الفطري غير المقصود إلى الوعي كحالة تأملية مقصودة من خلال قدرة الإنسان على التمييز بين حالات مشابهة، أو قدرة الإنسان على فصل أوهام المسببات عن بعضها البعض، يلي ذلك القدرة على تحليل حالة الوعي التأملي ومعرفة أبعادها ومدى تأثيراتها عليه أو على الحالة نفسها، ويليها -أيضا- القدرة على التعامل مع الحالة من خلال توظيف قدراته التأملية والعقلية على التعامل معها وتحويلها من حالة قدرية واقعة عليه أو على مجتمعه أو على طبيعة ما حوله إلى حالة يتم السيطرة عليها بالكامل أو على الأقل توظيفها أو تقليل آثارها عليه.

تبدأ حالة الوعي من خلال الاستبصار للإشكالية وجمع أطرافها وإبعاد بعض الأطراف التي يُعتقد أنها مؤثرة وهي ليست مؤثرة وإنما تابعة أو جاءت بالصدفة مع الحالة أو مع عدة حالات، ولا تعتبر حالة الاستبصار مرحلة سهلة أو هينة أو أنها ليست ذات أهمية أو أن ملكتها يمكن لأي من الناس ملاحظتها، إذ إن هناك من لا يستبصر الحالة، ويعيش حالات الإنكار للإشكالية، كما يمكن القول بأن حالة الاستبصار للمراحل الأولى للحالة هي أهم حالة باعتبار أن تجاهلها يبني عليها أخطاء وضلالات متراكمة وربما تتعقد كل الضلالات حتى يصعب حل تشابكها إلا بنسفها بالكامل وإعادة بنائها من جديد.

يلي حالة الاستبصار حالة الوعي بأطراف الإشكالية أو الحالة، وتعني تنقيتها من الأطراف الدخيلة عليها كما تنقيها أيضا من حالات سوء الفهم والالتباس الحاصل نتيجة تعقيد المفاهيم الإنسانية والاحتفاظ بالأسباب الحقيقية بما في ذلك الأسباب الخفية التي قد لا يمكن ملاحظتها بسهولة، تليها مرحلة حل الإشكالية من خلال اختيار الأدوات المناسبة لفض الاشتباك الحاصل في المشكلة بعد إما تحليلها لمفرداتها الأولية أو من خلال تجميع المفردات المتناثرة وتركيبها أو من خلال إعادة المعاملة معها بطريقة ظاهرية أو عميقة بحسب ما يمكن لتلك الحلول أن تعطي فاعلية أكثر.

وكما أسلفت، لا يمكن أن يقال عن أي من الخطوات أكثر أهمية من الأخرى بسبب تراكمها من جهة، وبسبب احتياجها في كل مراحلها لحالات وعي متراكمة هي الأخرى، وهي تجري على الحالات الإشكالية سواء على مستويات الفرد أو المؤسسات أو على مستويات الطبيعية، لكن يبقى (الاستبصار) الأول أولى حالات الوعي والأكثر أهمية ذلك أن الفشل فيه يترتب عليه فشل مسارات الوعي كاملة، بل وينبني عليه أساطير من الظن المجحف وتراكم هائل من الحلول الزائفة والتي قد لا تتبين بسهولة لدى الإنسان!

ويمكن تلخيص حالة الوعي الإنساني بأنه القدرة المقصودة على الإدراك والفهم للإشكالية وفك رموزها ومن ثم توظيف الحلول المناسبة لحل إشكاليتها من خلال فهمها الكامل المتسم بالنسبية، إذ إن إعادة الفهم والمراجعة ضرورة وعي أخرى ملازمة لحالات الوعي بشكل مستمر بسبب تغير الملابسات وتداخلها واستحداثها بشكل دائم!

Halemalbaarrak@