دحام مبارك الغالب

الشخصية النرجسية

الجمعة - 17 فبراير 2023

Fri - 17 Feb 2023

إن موضوع هذا المقال من أهم وأخطر الموضوعات التي بذل فيها المختصون جهودا كبيرة لإيجاد حل أو علاج لمن يتصف بها من البشر، وخلصوا إلى أنه من الصعب تغيير صفات هذه الشخصية، ولكن من الممكن تغيير بعض أفكاره، عن طريق إجباره على قبول تشكيل علاقات اجتماعية مع زملائه والاعتراف بقدراتهم، وتقبل الانتقادات التي توجه إليه.. أتحدث اليوم عن الشخصية النرجسية.

أولا أود أن أشير إلى أن تقدير الذات موجود لدى الجنس البشري، وشائع الوجود إلا أن درجاته تختلف من شخص إلى آخر، وأقصى درجاته هي التي توصف بالاضطراب العقلي الذي يعزز شعور الشخص بأهميته الخاصة وحاجته للإعجاب، وعدم التعاطف مع الآخرين، لكنه قد يخفي وجود قلة ثقة بالنفس، واحتراما قليلا للذات يجعل المصاب عرضة لأي انتقاد.

ولفظ النرجسية مشتق من نرجس وهو اسم أحد الأشخاص في أسطورة إغريقية قديمة يروي فيها أن نرجس هذا كان يتميز بشيء من الجمال وبمظهر جذاب، وبينما كان يتجول في أحد الأيام، وجد بحيرة فنظر إليها، فانعكست صورته في الماء، فأعجب بجماله، ووقع بجنون حب نفسه المتمثل في الصورة التي رآها في البحيرة، حاول جاهدا الوصول إلى المحبوب (وهو نرجس نفسه أو صورته) إلا أنه عجز عن ذلك، فقتل نفسه، وسال دمه على أطراف البحيرة، فنبتت بعد ذلك زهرة من دماء نرجس، سموها أهل الريف بزهرة النرجس؛ لأنها نبتت من دمائه، فعرفت منذ ذلك الوقت بهذا الاسم، وما زالت دلالة زهرة النرجس حتى يومنا هذا ترمز لحب الذات المتوهج.

والنرجسية شعور مبالغ فيه ينتاب صاحب هذه الشخصية بالعظمة وحبه لذاته، وأنه شخص فريد لا مثيل له، نادر الوجود، والقليل من الناس فقط من يستطيع فهمه وإدراك ما يفكر فيه، والنرجسي ينتظر احتراما كبيرا من الآخرين لشخصيته، وصفاته، وأفكاره، يحاول أن يستفيد من المحيطين به ومن ظروفهم ليحقق مصالحه الشخصية؛ فهو استغلالي، وابتزازي، ومن صفاته أنه يتمركز حول ذاته ويستميت للوصول إلى ما يريد والحصول على أعلى المناصب المتاحة؛ لا لتحقيق ذاته، وإنما من أجل تحقيق الأهداف الشخصية التي لديه.

يسبب اضطراب الشخصية النرجسية مشاكل كثيرة في مجالات الحياة، مثل علاقات العمل، أو المدرسة، أو الشؤون المالية، إذ لا يشعر المصاب بالرضا لعدم حصوله على امتيازات أو الإعجاب الذي يعتقد أنه يستحقه، وبالمقابل، قد لا يتمتع الآخرون بوجوده، ولذلك تكون علاقاته مضطربة، وقد عرفه خبراء علم النفس أنه أحد أنواع الاضطرابات النفسية، وهو يحد قدرة المصاب على الكثير من الأمور، مثل العمل، وتكوين العلاقات، والتعامل مع الانتقاد، ويحاول عادة احتكار المحادثات، والتقليل من شأن المحيطين، فيصورهم أقل قيمة، وقد يعمل على احتقارهم ليظهر أفضل منهم، وعندما لا يشعر بالكمال قد يصاب بالاكتئاب.

قد يظهر أن بعض معايير اضطراب الشخصية النرجسية تشبه الثقة بالنفس، لكن هذا غير صحيح، فالاختلاف الحقيقي بينهما هو تخطي المضطرب لهذه المرحلة -أي مرحلة الثقة- وتفكيره، بأنه ذو قيمة أفضل من قيمة الآخرين.

من غير المعروف ما الذي يسبب اضطراب الشخصية النرجسية كما هو الحال مع غيره من الاضطرابات النفسية، لكن الأسباب المرجحة للإصابة بهذه النوعية من الأمراض سببان: عدم التفاهم في العلاقة بين الوالدين والطفل؛ فإما التدليل المفرط أو النقد المفرط له في مرحلة الطفولة أو أسباب وراثية ونفسية مرتبطة بالاتصال بين الدماغ والسلوك والتفكير.

قد يكون تقبل العلاج النفسي صعبا جدا لدى المصابين باضطراب الشخصية النرجسية لعدم رغبتهم بالتفكير بأن هناك خطأ ما، إذ إن ذلك لن يتناسب مع صورتهم التي يرسمونها لأنفسهم؛ لذلك فالاحتمال الأكبر أن تتطور حالتهم دون شعورهم بذلك، وأن يطلبوا العلاج عندما تتطور لديهم أعراض الاكتئاب بسبب الانتقادات أو الرفض من المحيطين بهم.

وأخيرا يأتي السؤال المهم كيف لنا أن نتعامل مع الشخصية النرجسية؟

من الأمور الجيدة في الشخصية النرجسية أنه يمكن التنبؤ بتصرفاتها إلى حد ما، لذلك هناك بعض الإرشادات التي تساعدك على التعامل معهم، ومن أهمها ألا تتوقع أنه يمكنك تغيير الشخص النرجسي فاحترس من صياغتك للحوار معه، فهو لا يتعامل بشكل جيد مع النقد البناء، وهذا يترتب عليه أن تبدي تعليقاتك بحذر وإيجابية وتجنب توجيهه أو السماح له بهز ثقتك بنفسك واحترامك لذاتك، وتجنب قول أنت مخطئ، وتكذيبه والجدال معه.

Daham9920@