عبدالحليم البراك

تطوير الذات.. من الدهشة للفوضى وحتى العملية

الاثنين - 13 فبراير 2023

Mon - 13 Feb 2023

أخذت دورات وكتب ومجموعات تطوير الذات دهشة العالم في بدء ظهورها، إذ كانت تهتم بتحسين حياة الناس وتعليمهم أشياء جديدة عن أنفسهم وعن قدراتهم.

وحقق هذا العلم (نقول علم تجاوزا وإلا لا يمكن وصفه بأنه علم بأي حال من الأحوال) إقبالا منقطع النظير من الناس في كل أدواته، سواء كتب أو دورات أو مجموعات عمل أو ورش عمل للنقاش.

استخدمت في هذا الخليط المهني كل شيء وأي شيء يمكن أن يطور الإنسان وقدراته وتصوراته عن نفسه أو عن الآخرين أو عن الحياة، فقليلا من علم النفس وشيء لا يذكر من العلوم الطبيعية وكثيرا من بعض النظريات الفلسفية واليسير من علم الاجتماع، والكثير من التأثيرات اللغوية للأشياء وكذلك فلسفة وأساطير وثقافات متنوعة كالثقافة الصينية والهندية وفلسفات تأملية متعددة كانت تعمل على تغيير الإنسان في محيطها الاجتماعي، تم تحويل كل هذا الخليط ليخدم الإنسان، تحت مسمى تطوير الذات.

لم يلبث هذا الوافد الجديد أن تحول وبسرعة البرق إلى فوضى عارمة، الجميع (بلا استثناء)؛ دخل على هذا الوافد فبدأت الفتوى فيه من كل حدب وصوب، وصارت جيوب الناس مستهدفة حتى اختلطت هذه (الكوكتيلات) الصحيحة بالخرافات بالأساطير بالعبث والكذب اللغوي، فأي شيء يكون مادة للعوام يصبح بين عشية وضحاها فريسة للتوظيف المادي، فظهر الاستغلال الجشع سواء في الكتب أو الدورات مستهدفين جيوب الناس، حتى وصلت البرمجة اللغوية إلى تندر العالم وظهرت كلمات السخرية بقدرة هذا العلم على تحويل القط إلى أسد، والجبان إلى شجاع، وقدرة الإنسان بالبرمجة اللغوية، أيضا أن يتم برمجة عقل الإنسان على المشي على الجمر إذا ما غير الإنسان تفكيره عن نقاط الألم وشتتها.

هذه الفوضى العارمة سوف تنتج كمية كبيرة من الكتب التي لا تساوي ورقها وورش عمل لا تستهدف إلا البسطاء والسذج ممن يملكون المال، وبعد أن استهلك هذا الشيء جيوب الناس وعقولهم جاء وقت الرشد للنظر هل يمكن أن ينتج هذا العلم (تجاوزا كما قلنا) شيئا مفيدا للإنسان؟ أم سيستمر لا شيء موجه للناس الذين ليس لديهم شيء؟!

الحقيقة أنه يوجد كتب مفيدة وقادرة على تغيير الإنسان وأنها وبرغم ندرتها إلا أنها تخاطب العقل وتستند إلى نظريات في علم النفس أو علم الاجتماع أو في علوم طبيعية مثل كيمياء الإنسان والإنزيمات البشرية أو تستند إلى تصورات فلسفية عالمية يمكن توظيفها (تطبيقيا لصالح الإنسان).

وإنصافا لهذه الفوضى يمكن القول أن بعض هذه الكتب أو القليل منها يمكن أن تكون مفيدة وتغير حياة الإنسان، فلا شك أن دراسة عمل الدوبيالين أو تأثير الأعمال الصغيرة الصحية على المدى الطويل في حياة الإنسان قد تعطيه حياة مستقرة جسديا وصحية وأن التخطيط والاستراتيجيات في علم الإدارة يمكن تطبيقها على حياة الإنسان اليومية، كل هذه يمكن أن تكون مفيدة ولها تأثير إيجابي على حياة الناس.

والذي يجدر القول والحديث عنه هنا، هو أننا لا يجب أن نهدم منجزا عظيما قد يكون بسبب حشره مع كم هائل من ركام الفوضى، أن نوصي بحرق كتب تطوير الذات كاملة، فلربما (كما حدث مع الكيمياء وعلم الفلك) أن تكون الأسطورة بداية ولادة علم جديد جدير بالتأمل والفائدة الإنسانية، وأن آفة الإنسان الأزلية هي التقليل من أهمية بعض الأشياء في سلسلة من الغرور الإنساني.

قال صاحبي: قرأت أحد كتب التطوير هذه، فطورت قدراتي حيث كتبت أكثر من 600 صفحة في ظرف ستة أشهر، وقرأت في نفس الستة أشهر هذه أكثر من عشرين كتابا، وأنجزت أعمال مؤجلة في هذه الفترة الوجيزة، بفضل هذا الكتاب الصغير، لأنه علمني كيف يمكنني ترتيب حياتي وفق استراتيجيات عملية وبسيطة.

@Halemalbaarrak