شاهر النهاري

كيف نحدد ونقيس الوسطية في الإسلام؟

الاثنين - 13 فبراير 2023

Mon - 13 Feb 2023

بعد مقالي السابق «مسببات نقد الخطاب الديني ونتائجه» وردتني عدة أسئلة ومداخلات ثقافية مفيدة بناءة.

وقد توقفت عند تعليق أحد الزملاء بأنه «وسطي»، لا يهتم بما تقره تلك الفرق، المشتتة قديمها وحديثها! والوسطية مذكورة في القرآن الكريم مرة واحدة «وكذلك جعلناكم أمة وسطا» وتختلف التفسيرات في ذلك، ولا تحدد نوع ولا مقياس الوسطية.

فهل الوسطية المقصودة شأن متفق عليه، يعتمد على التراث والأسس الإسلامية، أم إن البعض ينتقون ذلك المسمى لأنفسهم نظرا لعيشتهم الراقية وثقافتهم الإنسانية، وأحوالهم المكتفية؟ ودون مرجع ديني يقرهم على حدود الوسطية، في تجسيد كل شأن من أمور حياتهم.

الوسطية غاية، ولكن هل سينكر أهلها الجهاد والولاء والبراء، وقوامة الرجل على المرأة، وتطبيق الحدود والقصاص، وحد الردة، وغيرها، أم إنهم سيتخطونها بمزاجية مبتكرة؟

كم هو مرهق أن يكون الفرد وسطيا، بين معمعة منظومات من شدة التباينات والتناقضات في العقيدة والمفاهيم والأخلاق والشرائع والأحكام بين شتى الفرق الإسلامية بداية بالأسس والأركان والواجبات والفروض، ونهاية بالتفسيرات المبتكرة؟

الوسطية عندها ستكون حالات فردية متخيلة، تختلف عن وسطية مجتمعات تتوافق عليها، فيضيق ويتسع التوسط فيها حتى بين الفرد وأقرب الناس إليه!

الآية الكريمة دلت على وجود الوسطية، ولكن كل فرقة إسلامية فهمتها ووظفتها بما تريد، وحسب قربها أو بعدها عن الأساس القديم، أو بما استجد عليه من تطورات واختلافات وشطب وزيادات نظرا لتغيرات الظروف والسياسة بين مختلف العصور، وبروز المفارقات العلمية والقوانين الحقوقية والمنطقية، فهل على ذلك يمكن اعتبار السلفية وسطية، وهل الحنبلية أو الصوفية وسطية، وهل الخوارج أو الجامية كذلك، وهل الإمامية أو الفاطميون وسطيون؟

وهذا فيما يخص بعض الفرق القديمة، والتي ما زالت تحافظ على بعض أسس السلف في نظرتها وتشريعاتها، وحدث ولا حرج عن الفرق الحديثة مثل البهائية والدرزية والقاعدة وداعش، وتلك المحدثة بواسطة شرائع منظمات حقوق الإنسان، مثل القرآنيين أو الإبراهيميين، وغيرها من ملمعي الواجهات البراقة، مع جهل مطبق بما تقتضيه الفرق في جوفها، وصولا إلى من يطالبون بإبعاد الدين عن السياسة، وحصره في بيوت العبادة، وما أحدثته طالبان، العائدة في عصرنا لحذافير متطلبات أيام السلف.

عندما يصف أحدهم نفسه بالوسطية، فإنه بحاجة لأن يرسم رسما بيانيا مفصلا يحدد فيه البدايات الصغرى والنهايات العظمى لوسطيته، التي يمكنه التحرك بينها، في كل قول وفعل يقوم به، وتحديد مرجعه في ذلك، وإلا سيعتبر ذلك خلق فرقة جديدة «كيوت» تخصه، ولا تقرها بقية الفرق المتنافرة.

وبالطبع فهذا غير ممكن، لأن كل فرقة لها منحنياتها البيانية ومقاساتها، والتي قد تبدأ من أسس البراء والولاء والحاكمية والجهاد، أو أنها قد تهمش الكثير، قافزة إلى مرحلة وسطية أكثر حداثة، وأبعد عن الشدة، وأقرب لحقوق الإنسان، بشكل يجعلنا نتكلم عن أديان مختلفة، وليس مجرد فرق.

الوسطية حلم يعيشه المسلم البعيد عن التفاصيل، يردده على لسانه في كل منعرج حياتي، ولكنه غالبا لا يتعمق ويبحث، ليعرف كيف ومتى وأين يصبح وسطيا، وهل يأتي ذلك من فهم فردي، أو أنه مبني على أسس تعاليم الدين، الذي يتفق عليه المسلمون عامة، في وقتنا الحالي، وفي وقت الصحابة، وفيما بينهما من تباينات.

@shaheralnahari