هتون أجواد الفاسي

في رحاب ملتقى نجران وتاريخها وآثارها

الاثنين - 13 فبراير 2023

Mon - 13 Feb 2023

بدا الشاب النجراني وهو يقف إلى أحد جدران الأخدود الموسوم بخط المسند ورسمة الحصان المنقورة والثعبان المتلوي يتلو من سورة البروج «النار إذ هم عليها قعود» بصوت متهدج مؤثر وكأنه جزء من خلفيته، ينقلنا إلى تلك الحقبة وهو يكمل تلاوة الآيات المؤلمة.

ثم استكمل الفيلم التعريفي بنجران وآثارها ومآثرها مما أبدع صالح السدران في إخراجه ليقدم لنا في افتتاح «ملتقى نجران تاريخ وحضارة» الذي نظمته جمعية الآثار والتاريخ بنجران التابعة لجامعة نجران وبالتعاون مع جمعية التاريخ والآثار الخليجية برئاسة كل من الدكتور محمد بن هادي آل هتيلة والدكتور عوض بن ناحي عسيري في ضيافة كريمة وبرنامج ثري.

تداولنا خلال الأيام الثلاثة تاريخ وحضارة وآثار نجران مما عملت وعمل عليه الباحثات والباحثون وقدمت إلى المؤتمر من أوراق تنوعت في أصالتها وجدتها وفي إثارتها للنقاش وإمعان التفكير.

رافق المؤتمر الذي افتتحه أمير نجران سمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد، معرضا أراه كان متميزا في الأعمال الفنية المقدمة فيه وعلى رأسها المعرض الشخصي للفنانة فاطمة قداح المعنون بـ «عبور» وقدمت عددا من اللوحات المبدعة في استيحائها نساء أبيار حمى اليونسكية وتمثلاتهن الأسطورية وهن مدثرات في تشكيلات من حروف المسند.

كانت فرصة هذا الملتقى ذات أبعاد ثلاثة، لقاء زميلات وزملاء لا نلتقيهم إلا في هذه المناسبات العلمية، منهم من تزاملنا معهم ومعهن دراسة أو عملا أو بحثا، ومنهم من اكتشفناهن/م في ظل تراكم خبرات وتخصصات الجيل الجديد ممن استثمرت الدولة في تنويع تخصصاتهن/م ومؤسساتهن/م التعليمية، منهن من جامعة السوربون بفرنسا ومنهن من إسبانيا وأخريات من بريطانيا، وبآثاريات شاركن في تنقيبات دولية على أراضينا وخارجها، وبمتحدثات ومتحدثين سعوديات وخليجيين متمكنات ومتمكنين من علمهن/م، فضلا عن صديقات نجرانيات وأصدقاء لم نعرف بعضهن وجها لوجه حتى ذلك اليوم.

والبعد الثاني كانت في التعرف على آخر الأبحاث والمكتشفات الآثارية والتاريخية لاسيما المتصلة بنجران.

وقد كان لمنطقة حمى الثقافية قصب السبق في إثارة الأسئلة بمواضيعها المتعددة وربما على رأسها كان تمثيل النساء على هذه الواجهات الصخرية التي تفاجئك بأبعادها المختلفة من ناحية الحجم أو العدد أو الرموز التي تحملها أو درجة انتشارها، وسوف أركز على ورقتين، الأولى كانت مشتركة بين الدكتورة فتحية عقاب والدكتورة ندى دراج، عبارة عن دراسة مقارنة للرسوم الصخرية بين الفاو وآبار حمى، والثانية للدكتورة لورا ستراتشان التي قدمت بعنوان «المعبودة عالية: دراسة بينية في منطقة حمى».

قارنت الورقة الأولى بين حيوانات، وبين شخوص من نساء ورجال، لكن الرسمة الرئيسة كانت على شكل بناء من عدة طوابق يحمل صورة لنساء بجانبه من حمى، بينما رسمة الفاو فقد كانت ملونة لبناء متعدد الطوابق وكأن طوابقه العلوية مكون من عدة نوافذ تظهر عليها صور نساء بينما الدور الأول تظهر عليه امرأة واحدة، ويعلو المبنى عدد من الوعول.

كانت الرسومات مثيرة بشكل كبير لاسيما عندما اقترنت ببعض التفسيرات التي تحمل الكثير من الجرأة في التخيل والتحليل.

أما الورقة الثانية فقد كانت دراسة أنثروبولوجية لشخصية امرأة يُطلق عليها اسم عالية وجدتها الباحثة ومساعديها لدى بدو المنطقة الذين يعتبرونها رفيقة لأبي زيد الهلالي في تغريبة بني هلال، والتي تتكرر صورتها بأحجام مختلفة ولكن بسمات لا تتغير وكأنها لشخص واحد أو ربما لأكثر من واحدة.

المثير في هذه الدراسة التي بدأت من 2018 أنها استطاعت تمييز حوالي 125 صورة محفورة أو محززة لهذه المرأة التي تتسم بأنها تقف بشكل يُظهر خصرا نحيلا وشعرا ثائرا محددا في خطوط وكأنه نافورة أو شعاع شمس أو شعر ذو تأثيرات أفريقية، ويدان مرفوعتان للأعلى بأصابع محددة.

وطرحت الباحثة كل الأسئلة التي يمكن أن تثيرها هذه التمثلات في محاولة تحديد هوية هذه المرأة، وعما إن كانت معبودة أو كاهنة أو ملكة أو مجرد امرأة عادية وما الذي يمكن أن يسند كل واحدة من هذه الطروحات، دون أن ترجح إحداها تاركة المجال للمزيد من الأسئلة والتي تداولتها معها في فترة الاستراحة بعد أن ضاق وقت المنصة بنا.

والبعد الثالث كان في ابتهال فرصة النهل من معين الأرض القديمة.

من أرض قحمات أو جحمات أو الأخدود وقصصها المثيرة، حيث مدينة كاملة يقبع نصفها فوق الأرض في صفوف متراصة من حجر البازلت الضخمة المعاد استخدامها، والثاني تحت الأرض ينتظر التنقيب الذي ينوء حمله بما يُنقب عنه في أرجائها التي تبلغ خمس كيلومترات مربعة.

أو من خرق الصحراء باتجاه الشمال الشرقي إلى حيث منطقة حمى الثقافية التي كانت آخر ما سجلت المملكة العربية السعودية من مواقع تراث عالمي في قائمة اليونسكو عام 2021 والتي تحمل أكثر من 550 لوحة فن صخري موزعة على 34 موقعا تحمل مئات الآلاف من الرسوم والنقوش والصور التي تحتضن من أسرار حضارة نجران ما نقف أمامها في أول السطر، قد تعود إلى الألف السابعة من الوقت الحالي أو أقدم أو أحدث.