شاكر أبوطالب

(تيك توك).. تنقيط وغسيل أموال!

الاثنين - 13 فبراير 2023

Mon - 13 Feb 2023

ينتشر استخدام تطبيق (تيك توك) في أكثر من 150 دولة، ويدعم نحو 75 لغة حول العالم.

وفي المملكة العربية السعودية يستخدمه أكثر من 22 مليون مستخدم، بحسب إحصائية منشورة في أوائل العام الماضي.

ويقضي مستخدم (تيك توك) أكثر من 35 ساعة شهريا في تصفح المحتوى، واقترب عدد المستخدمين النشطين شهريا إلى مليار مستخدم في يناير 2022م، حيث سجل رقما قياسيا بمشاهدة 167 مليون مقطع فيديو في دقيقة واحدة فقط!

يجمع (تيك توك) بين عدد من الخواص، في مقدمتها المحتوى المبتكر من قبل المستخدمين، هذه الخاصية تعد الركن الأساس للتطبيق، إضافة إلى خاصية الإعلام الاجتماعي بوصفه نمطا متكاملا من الاتصال يوفر الفرصة للمستخدمين بابتكار المحتوى، وخاصية إنشاء شبكاتهم الخاصة بهم ومشاركتها.

ويعتمد (تيك توك) على مستخدم التطبيق في صناعة المحتوى ونشره ومشاركته، ونجح التطبيق في إعادة تشكيل مجال مشاركة الفيديوهات القصيرة التي ينتجها جموع المستخدمين، بدلا من قصر إنتاج المحتوى على عدد محدود من مستخدمي التطبيق.

إن النقد والاتهامات التي وجهت لتطبيق (تيك توك) تقريبا هي ذاتها التي وجهت إلى بقية منصات التواصل الاجتماعي السابقة له في الظهور والانتشار، التي تتعلق بسياسات الرقابة على المحتوى، وأسلوب إدارة البيانات الخاصة بالمستخدمين.

غير أن (تيك توك) يختلف عما سبقه من تطبيقات بسهولة وصول المستخدم لأي محتوى، وكذلك سهولة تعرض المستخدم لأي محتوى، سواء من الحسابات التي يتابعها مستخدم التطبيق أو حتى من الحسابات التي لا يتابعها.

إذ يلجأ الباحثون عن الشهرة عبر تطبيق (تيك توك) إلى أساليب متنوعة لصناعة محتوى سلبي جاذب للمشاهدة والتفاعل، ومن ذلك التلميح بألفاظ خادشة للذوق العام، أو تغيير ملامح الوجه باستخدام الألوان والكريمات، أو تعمد تناول الأكل أثناء البث المباشر، أو لبس ملابس ملفتة، أو اختيار موضوعات مجرمة اجتماعيا، أو سرد تجارب خاصة ذات حساسية عالية، وغيرها من الأساليب ذات السفه الواضح الذي لا تخطئه العين!

ويضاف إلى غلبة المحتوى السلبي في (تيك توك) عدم وجود أي اشتراطات لحماية الأطفال والصغار من محتوى التطبيق، وأيضا ليست هناك أية قيود تمنع وصول المحتوى غير المناسب لهم، فالتطبيق لا يصنف محتواه على الإطلاق، كما هو معمول به في أفلام السينما، فجميع المستخدمين بإمكانهم مشاهدة أي محتوى مهما كان مضمونه!

وهنا يجب التنبه إلى أن هناك إقبالا واسعا على المحتوى السلبي المتضمن مشاهد عنف وإباحية وألفاظ نابية، كما هو الحال في الألعاب الالكترونية أو أفلام السينما على سبيل المثال، على الرغم من وجود تصنيف وتحذيرات منصوص عليها متعلقة بالمحتوى، ويعود ذلك بحسب العديد من الأبحاث إلى الطبيعة المضطربة لمرحلة البلوغ والمراهقة، التي تخلق طاقات كبيرة للمراهقين والشباب، تدفعهم مع كثرة الفراغ إلى الرغبة في جذب الانتباه واستعراض التفوق واستكشاف ما وراء المحذورات الأسرية والمجتمعية، كالتمرد على الواقع المعاش، وخوض تجارب جديدة غير مألوفة، ومن ذلك التعرض لمحتوى يتضمن مشاهد عنف أو غير أخلاقية، وفي حالات كثيرة الإقدام على صناعة ذلك المحتوى العنيف أو المخالف للأخلاق!

وقد أظهرت بعض الدراسات العلمية أن إدمان الإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي تؤثر على الفرد ونموه السلوكي والمعرفي والتعليمي، خاصة مرحلة المراهقة التي تعد من أكثر مراحل النمو تعقيدا، حيث يميل المراهقون الذين يشاهدون محتوى سلبيا أو مشاهد عنف، إلى ممارسة السلوك العدواني المعنوي بنسبة 25% والمتمثل في التمرد وعصيان الأوامر، أو العدوان اللفظي بنسبة 15% بالسب والتنمر، أو العدوان الجسدي الذي تمثل نسبته 60%، سواء بالضرب أو الإضرار بممتلكات الآخرين، وتتطور هذه السلوكيات السلبية نتيجة مشاهدة المحتوى العنيف أو غير الأخلاقي دون رقابة أو قيود!

وهنا يبرز تساؤل عن الإجراءات المتاحة لأي مستخدم للإسهام في حذف أي محتوى سلبي مخالف للقانون أو للتقاليد المجتمعية، مثل الظهور الخادش أو المنافي للذوق العام، أو المحتوى المصنوع قصدا بمضامين غير أخلاقية أو مهددة للأمن الأسري أو المجتمعي.

فاليوم لا يوجد أي تدخل رقابي من أي جهة ذات علاقة لحذف المحتوى السلبي من (تيك توك)، ولو حذف ذلك المحتوى فيحذف عادة من قبل إدارة التطبيق، وفق منظومتها الأخلاقية أو قواعدها المهنية!

وبالتالي هناك غياب واضح للتحديد الدقيق لأنواع المخالفات وتصنيفها وتعريفها أو وصفها وما يقابلها من العقوبات المناسبة لكل مخالفة بشكل خاص. وهذا يمثل ثغرة واسعة تسمح بمرور المحتوى المخالف دون رقابة ودون عقوبة!

وفيما يتعلق برواج التحديات على تطبيق (تيك توك)، فإن الدعم والهدايا التي يحصل عليها مشاهير (تيك توك) مشابهة لفكرة (التنقيط) في البارات والمراقص. فما الدافع الذي يحمل المتابعين والداعمين على دفع مبالغ ضخمة على هيئة (تنقيط) للمشاركين في التحديات أو البث المباشر؟!

وأدى هذا التنافس الشديد على (التنقيط) للحصول على عوائد مالية ضخمة، إلى صناعة تحالفات بين مشاهير (تيك توك) تمكنهم من خوض تحديات عبر البث المباشر، يشجعون من خلالها متابعيهم لدعمهم من خلال (التنقيط) بكثافة، وإرسال الهدايا للفوز بالتحديات!

وقد ذكر أحد المهتمين بالتسويق الالكتروني في لقاء تلفزيوني أن العوائد المالية من تحديات (تيك توك) حقيقية وتصل إلى مبالغ كبيرة، موضحا أن بعض هذه التحديات تجمع في جلسة البث الواحدة قرابة ربع مليون دولار! ما يثير العديد من التساؤلات عن مصادر أموال (التنقيط) من قبل الداعمين.

خاصة وأن الأموال المحصلة من (التنقيط) يذهب منها 30% فقط إلى مشاهير (تيك توك) والنسبة الأكبر المتبقية تعود كأرباح إلى التطبيق!

والسؤال الأهم هنا؛ ما الذي يمنع حدوث عمليات غسل الأموال عن طريق مشاهير تطبيق (تيك توك) في السعودية أو غيرها؟! تماما كما حدث في الكويت وقبل أكثر من عامين؛ حيث فتحت الحكومة ملف مشاهير تطبيق (السناب شات) للتحقيق في وجود شبكة لغسيل الأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة، وانتشرت قائمة لمشاهير (السناب شات) تضمنت أسماءهم وعدد المشاهدات وتكلفة الإعلان من المنزل أو موقع الإعلان، إلى جانب الأصول التي يمتلكونها من منازل وسيارات وغيرها من الاستثمارات!

والسؤال الأكثر إلحاحا هو: هل التشريعات القانونية والإجراءات الحالية كافية لضبط المحتوى والأموال المكتسبة من التحديات عبر (تيك توك)؟! أم أن الوضع الراهن بحاجة ماسة إلى تقنين العوائد المالية بفرض رقابة صارمة على التحديات الرائجة بين مستخدمي (تيك توك) وطبيعة محتواها، والتحري عن المصادر المالية للداعمين التي تمكنهم من (التنقيط) الضخم والمستمر لمشاهير (تيك توك)!

وفي ظل غياب الرقابة الصارمة لمحتوى (تيك توك)، فإنه ينبغي تصميم استراتيجية وطنية واسعة النطاق للحد من الآثار السلبية للاستخدام المفرط والبعيد عن الرقابة، وأيضا من أجل السيطرة على محتوى التطبيق الذي استحوذ على أوقات المراهقين واهتمامات الشباب!

وينبغي قبل ذلك الأخذ بعين الاعتبار أن معظم النصائح والحملات التوعوية تفترض مسبقا أن الآباء والأمهات هم من يسمحون لأبنائهم وبناتهم بتحميل تلك التطبيقات، وفي مقدمتها (تيك توك)، وهذا الافتراض غير صحيح، فالمراهقون هم من يختارون تنزيل التطبيق المجاني، الذي لا يشترط أية قيود متعلقة بالعمر، وبالتالي فإن الأمر بعيد عن الرقابة الأبوية أو الأسرية.

shakerabutaleb@