عبدالله العولقي

الدولار.. وصراع العملات

الأحد - 12 فبراير 2023

Sun - 12 Feb 2023

كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول مستقبل الدولار، هل سيستمر في سيادته الاقتصادية وهيمنته على أسواق التجارة العالمية أم أن الظروف الدولية الحالية تتهيأ تجاه واقع جديد، عالم يتشكل تجاه مستقبل تفرضه أحداث الحرب الروسية الأوكرانية، وواقع يفرضه التنين الصيني المتجه بقوة لانتزاع الصدارة الاقتصادية من بين مخالب النسر الأمريكي.

خلال ثلاثة أرباع قرن تقريبا، ومنذ أن خلعت الحرب العالمية الثانية رداءها الثقيل والدولار يتربع على عرش العملات الدولية ويفرض هيمنته على واقع التجارة الدولية، لقد بلغ به السمو الاقتصادي أن ثلثي الاحتياطيات العالمية في البنوك المركزية مثمنة بالدولار الأمريكي، كما أنه يصنف بالعملة الرسمية في تسعير أغلب السلع والبضائع والخدمات المتداولة حول العالم.

لقد فرضت العولمة واقعها وأبعادها في عالم اليوم، ولعل الاقتصاد التكاملي أحد مفرزات نتائجها، فلو أخذنا على سبيل المثال العلاقة التجارية بين واشنطن وبكين لوجدنا أن المصانع الأمريكية الكبرى تتخذ من جغرافيا الصين مقرا مناسبا لها، ليس لأن العمالة الصينية تتمتع برخص مرتباتها فحسب، فهذه السمة قد تجدها الولايات المتحدة في الهند وإندونيسيا أيضا ولكن لجودة المهارة الاحترافية لدى العمالة الصينية، وفي المقابل نجد أن الصين ثاني أكبر دول العالم استثمارا في سندات الخزينة الأمريكية بعد اليابان، إلى غير ذلك من الأسباب التي تجعل البلدين في أوج تكاملهما الاقتصادي، وهذا يعني أن أي استخدام أمريكي لقوة الدولار بفرض عقوبات اقتصادية على بكين سيرتد سلبا على واشنطن نفسها، وهذا يعني أن مساحة الهيمنة الدولارية ستتضاءل عن مكانتها لصالح عملات أخرى.

في تسعينيات القرن الماضي، وعندما أطلقت دول الاتحاد الأوروبي عملتها اليورو، كان الغرض الرئيس حينها الحد من هيمنة الدولار على الاقتصاديات الأوروبية وقد توهم بعض الأوروبيون حينها أن اليورو سيزيح الدولار عن مكانته العالمية، لكن ذلك لم يحدث أبدا، فقد ظل الدولار متسيدا عرش العملات العالمية، ولا زال يصنف كمعيار اقتصادي لقوة أو ضعف العملات الأخرى.

موسكو تحاول اليوم الالتفاف على واقع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وقد نجحت حتى الآن في إبقاء عملتها الروبل ضمن مدى المستوى المعتاد ولكنها لا تزال تعاني من آثار الحصار الاقتصادي المفروض عليها، كما أن هناك محاولات عالمية أخرى للحد من هيمنة الدولار تتجه إليها مجموعة من التحالفات الدولية بإنشاء عملة موحدة أو مشتركة، فقد أعلنت دول البريكس والتي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا عن وجود رغبة مشتركة بإنشاء عملة عالمية موحدة لمواجهة الدولار، لكن ثمة عوامل عديدة تقف حائلا أمام هذه الرغبة، ويتكرر الحلم مجددا هذه الأيام لدى مجموعة ميركوسور والتي تضم البرازيل والأرجنتين والأرغواي والبارغواي في إقامة عملة موحدة أو مشتركة بين هذه الدول اللاتينية.

وفي الختام، لا شك أن النظام الاقتصادي الدولي الحالي يمنح الدولار ميزة تنافسية مثلى ومن المستحيل أن تضحي الولايات المتحدة بهذه الميزة الاقتصادية بسهولة، وكل ما تصنعه الدول المواجهة للدولار هي محاولات لتضئيل تلك المكانة أو للتخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على تلك الدول؛ فإلغاء مكانة الدولار يعني إلغاء النظام الاقتصادي العالمي الحالي برمته وتشكيل نظام عالمي جديد، وهذا أمر يبدو مستبعدا جدا، على الأقل في المرحلة الحالية وحتى في المستقبل القريب!!

@albakry1814