سارة مطر

الوحدة والمرض والتقاعد

الاحد - 12 فبراير 2023

Sun - 12 Feb 2023

تغيبت عن عملي ما يقرب من 23 يوما بسبب عارض صحي، كما قالت الطبيبة: إن إصابتي هي أقوى من الكورونا نفسها، لحظتها شعرت بالخوف أكثر مما كنت أتخيله، الغريب أن في فترة مرضك وعلى الأخص حينما تكون على سريرك وفي بيتك، فأنت لا تتلقى الزيارات الكثيرة، ولا حتى السؤال عن حالتك الصحية، فجأة تجد نفسك وحيدا، وتحاول أن تخلق لك عوالم خفية، على الأقل تسليك أثناء الـ23 يوما!.

جاء في مخيلتي ماذا لو تقاعدت، من الذي سيسأل عني؟ من الذي سيتفرغ للضحك معي على أمور «هايفة» كما يقولها إخوتنا المصريون، من سيكون له الوقت ليقوم ليسمع قصصي القديمة والحديثة وحكاياتي المقلقة، وتلك التي تحتاج إلى وقت كي تستوعبها.

في الحقيقة لم يسأل عني من الزملاء سوى شخصين فقط! وهذا ما أحزنني، هل كنت شبحا؟ هل كنت شخصا غير مرئيا.

للأسف، لقد كنت موظفة اجتماعية من الدرجة الأولى، كنت أسأل عن الجميع، وأتفقد الغائب من الحاضر، وأسال ذاك وذيك، ولكن الصدمة التي عشتها في تجربتي المرضية السابقة، أن لا أحد تكرم بالسؤال، أو تساءل عن سر سبب غيابي الطويل عن العمل.

كانت إحدى الصديقات من أحد بلاد العالم العربي، تعاني الأمرين في عملها، وكانت مصرة جدا على التقاعد المبكر، وهي شخصية بشوشة للغاية ومحبة بشكل كبير للحياة، وكنت أتشابك معها في الحوار بسبب أنها تفتح مواضيع عدة مع سائقي أوبر تحديدا، خصوصا إذا كان المشوار طويلا، فمن وجهة نظري أنه يجب أن تكون هناك حدود بينها وبين السائق، وليس من الضروري أن يعرف السائق ما يحدث في حياتها أو يتعرف على أحلامها وطموحاتها!.

رغم كل ما فعلته وقمت به إلا أن الصديقة لم تتغير قيد أنملة، ولنعد لفترة مرضي فلم أكن مريضة فقط، بل إنني حتى وأنا أكتبها أشعر بأن علي أن أضغط على الحروف بشكل كبير، فقد كنت حقيقة أعاني معاناة شديدة، ولم تكن هناك أية أدوية يمكنها أن تخفف من كاهل الألم الذي عشت فيه، بل إلى جانب الأسى والمرض للأسف كنت وحيدة أيضا، وكنت أحاول التواصل وأنا على فراش المرض بعدد من الزميلات والصديقات، لكن الجميع مشغول، وتساءلت ماذا يمكن لي أن أفعل حين يحين موعد التقاعد.

فإذا زملائي في العمل الذين قضيت معهم ما يقرب من الـ17 عاما، لم يسأل عني سوى شخصين فقط، فماذا لو تقاعدت؟ لا بد أن تكون لي حياة مختلفة، لا بد لي أن أرتب حياتي بطريقة جاذبة، ألا أعتمد على البشر فقط، بل علي أن أرتب حياتي بطريقة خاصة، لا تكون فيه لطخات الحبر تتفتح كزهور سامة، وبينما أستمر في بذل المجهود الشاق، لأخرج من خرنقة الوحدة والمرض، أحاول تماما الابتعاد عن الخوف، أشعر بالتأكد من أن البعض يموت وهو صحيح بسبب عدم وجود الأسرة والأصدقاء حوله.