إيمان أشقر

ثوابت

الخميس - 09 فبراير 2023

Thu - 09 Feb 2023

لو طلب من أحدنا أن يغمض عينيه، وينصت لكلمة (ديتول)، ترى ما الذي سيمر بمخيلته حينها؟

في البدء سيتخيل ذلك الوعاء البلاستيكي ذا الخط الأخضر والمليء بالسائل الذهبي اللون وعلامة تشبه السيف، ثم يتجول مغمضا عينيه في دهاليز المستشفيات يستنشق ذلك العبير الذي يحمل هوية المكان والدال على التعقيم الصحي الآمن، فقط بكلمة واحدة وحاسة واحدة من حواسه الخمس كتب قصة بكل أبعادها وأركانها وزمانها وشخوصها.

وهذا حال الكثير من الأشياء، فنحن لا نحتاج إلى النظر حولنا عند سماع الأسماء؛ فالأسماء لها هوية ثابتة الصفات في ذاكرتنا.

كنت أتحدث مع ابنة أخي وأمامي وعاء بلاستيكي وردي اللون وبه زهور متطايرة، نظرت إليه على يقين أني أعرفه ولكن ما هو؟!

شغلني التفكير وأنا أنظر للزهور وذلك اللون الوردي المحبب ولم يسترع انتباهي أحرفه الستة، وفجأة صرخت بدهشة (إنه ديتول)، نعم ديتول ولكنه لا يشبه المسلمات التي اعتدنا عليها، نعم تغيرت الملامح، وغاب عني المسلمات الثوابت.

نعم هي مسلمات في قناعاتنا بصورة نمطية.. الأشياء لا نقبل فيها طابع التغيير ولا نرضى أن تكون إلا كما عهدناها، وعلى الرغم من أن أغلب المسلمات تحتفظ بهويتها حتى وإن مر بها تغيير طفيف يحتاجه الوقت، لكننا نعيش دائما هاجس التغيير خشية ألا تبقى الأشياء كما اعتدناها ونرجو أن تبقى كما هي.

التغيير لا يعني طمس الملامح ولا يشترط خلع جلودنا وإبدالها بآخر، فقط يحتاج إلى ثبات الأصول وإضافة ما يزيدها تألقا وانسجاما ومواكبة للزمن الجديد.

ترى كم في حياتنا من ثوابت تغيرت بعض ملامحها وأصبحت جميلة ذات عبير، وكم هي الثوابت التي تغيرت ولم تعد مسلمات ولم تعد تحمل نفس الملامح؟

اختصارا، نحتاج ذلك الثابت الصحي المعقم للأشياء الذي يحمل عبيرا ويشعرنا بالسلامة والأمان، نحتاج لقناعة أن الوعاء ليس هو الثابت، وأن الثابت هو ما سكن الوعاء (ظاهرة الماء والأواني المتغيرة، يظل الماء ماء عذبا نقيا صافيا حتى وإن تغير الإناء).

DrEmanMA@